أبيات شعرية تحمل معاني عميقة وو قوية
On 2:39 ص by فاطمة الجعيديلا تتركيني
يقول الشاعر محمود درويش:
وطني، جبينك، فاسمعيني، لا تتركيني خلف السياج كعشبةٍ بريةٍ كيمامةٍ مهجورةٍ. لا تتركني قمراً تعيساً، كوكباً متسولاً بين الغصون. لا تتركني حراً بحزني، وأحبسين، حيث تصبّ الشمس فوق كوى السجون. وتعودي أن تحرقيني، إن كنت لي شغفاً بأحجاري وزيتوني. بشَباكي .. بطيني! وطني، جبينك، فاسمعيني، لا تتركيني.
أنشودة المطر
يقول الشاعر بدر شاكر السياب:
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحر، أو شُرفتانِ يبتعد عنهما القمر. عيناكِ حين تبسمين، تورقُ الكروم، وترقصُ الأضواء كالأقمار في نهر. يرجح المجداف وهناً ساعة السحر، كأنما تنبض في غوريهما النجوم.
أنشودة المطر، مطر.. مطر.. مطر، وثرثرة المساء، والغيم ما زالت تسح، تسح .. مِن دُموعها الثقال. كأنَ أقواسَ السَّحاب تشرب الغيم، وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر، وتغرقانِ في ضبابٍ من أسنى شفيفك، كالبحر سرّح اليدين فوقه المساء .. دفء الشتاء، وارتعاشة الخريف. ويهطل المطر، مطر .. مطر .. مطر. هل تعلمين أي حزنٍ يبعث المطر، وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع، كأنَّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام، بأن أُمَّه التي أفاقَ منذ عام .. فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال، قالوا له: بعد غدٍ تعود .. لابدَّ أن تعود، فتستفيقُ مِلءَ روحي نشوةُ البكاء ورعشةٌ وحشيةٌ تُعانقُ السماء. كعرشةِ الطِفلِ إذا خافَ مِن القمر. مطر .. مطر .. مطر. ومقلتاكِ بي تطيفانِ مع المطر، وعبرَ أمواجِ الخليج، تمسح البروق، شواطيءَ الخليج بالنّجومِ والمحار، كأنها تهمُ بالشروق.
أصيحُ بالخليج .. يا خليج، ويرجعُ الصدى كأنه النشيج. أصيحُ بالخليج يا واهبَ اللؤلؤِ والمحارِ والرَّدى، وأسمع الصدى مِن لجَّةِ القرار، وينثرُ الخليج مِن هباتِه الكثيرة، في كلِ قطرةٍ مِن المطر. هي ابتسامة في انتظار مبسمٍ جديد أو حلمةٌ تورَّدت على فمِ الوليد، في كلِ قطرةٍ مِن المطر، في عالم الغدِ الفتي .. واهبِ الحياة، ويهطل المطر.
أنا قطار الحزن
يقول الشاعر نزار قباني:
أركب آلاف القطارات، وأمتطي فجيعتي، وأمتطي غيم سجارات. حقيبة واحدة .. أحملها فيها عناوين حبيباتي من كنَّ بالأمس حبيباتي. يمضي قطاري مسرعاً.. مسرعاً، يمضغ في طريقه لحم المسافات، ويفترس الحقول في طريقه. لتهدم الأشجار في طريقه، ويحس أقدام البحيرات. يسألني مفتش القطار عن تذكرتي وموقفي الآتي، وهل هناك موقف آتٍ. فنادق العالم لا تعرفني، ولا عناوين حبيباتي، لا رصيف ليأقصده .. في كل رحلاتي، أرصفتي جميعها .. هاربة، هاربة .. مني محطاتي.
جُفونُ العذارى
- يقول الشاعر عنترة بن شداد:
جُفونُ العذارى من خِلالِ البراقعِ، أحدُّ مِنَ البيضِ الرِقاقِ القَواطعِ. إذا جُرِّدَت ذَلَّ الشُجاعُ وأصبحت، محاجِرُهُ قَرحى بفَيضِ المَدامعِ. سَقى اللَهُ عَمّي مِن يَدِ المَوتِ جَرعَةً، وشُلَّت يَداهُ بَعدَ قَطعِ الأصابِعِ. كما قادَ مِثلي بالمُحالِ إلى الرَدى، وعَلَّقَ آمالي بِذَيلِ المَطامِعِ. لقد وَدَّعَتني عَبلَةٌ يَومَ بَينَها، وداعَ يَقينٍ أَنَّني غَيرُ راجِعِ. وناحَت وقالت كَيفَ تُصبحُ بَعدَنا، إذا غِبتَ عَنّا في القِفارِ الشَواسِعِ. وَحَقِّكَ لا حاوَلتُ في الدهرِ سَلوَةً، ولا غَيَّرَتني عَن هَواكَ مَطامِعي. فَكُن واثِقاً مِنّي بِحُسنِ مَوَدَّةٍ، وعِش ناعِماً في غِبطَةٍ غَيرِ جازِعِ. فَقُلتُ لَها يا عَبلَ إِنّي مُسافِرٌ، وَلَو عَرَضَت دوني حُدودُ القَواطِعِ. خُلِقنا لِهَذا الحُبَّ مِن قَبلِ يَومِنا، فما يَدخُلُ التَفنيدُ فيهِ مَسامِعي.
الشهيدة
يقول الشاعر عبد الله البردوني:
كرجوع السنى لعيني كفيف، بغتة كاخضرار نعش جفيف. وكما مدّت الحياة يديها، لغريق على المنيّة موفي. وكما ينثني إلى خفق شيخ، عنفوان الصّبا الطليق الخفيف. رجعت فجأة رجوع وحيد، بد شك إلى أبيه اللهيف. كابدت دربها إلى العودة الجذلى، وأدمت شوط الصراع الشريف. حدّقت من ترى ومن ذا تنادي؟ أين تمضي إلى الفراغ المخيف؟ وأرتها خوالج الذعر وجها، بربريّا كباب سجن كثيف. وجذوعاً لها وجوه وأذقان، وإطراقة الحمار العليف. فتندّت فيها الظنون وأصغت، لحفيف الصّدى ووهم الحفيف، وكما يرتمي على قلق السّمع هدوء بعد الضجيج العنيف. سرّحت لمحة فطالعها شيء، كإيماءة السراج الضعيف. كان يعطي حياته للحيارى، وعلى وجهه اعتذار الأسيف. فأحسّت هناك حيّا مهيضا، يتلوّى تحت الشتاء الشفيف. قرى ، بعن عمرهن على أدنى، الخصومات والهراء السخيف. واشرأبت ثقوبهن إلى الريح، يسائلن عن شميم الرغيف. فدنت تنظر الحياة عليهنّ، بقايا من الغثاء الطفيف. والدوالي هناك أشلاء قتلى، جمدت حولها بقايا النزيف. وتجلّت أما تجعّد فيها، عرق الصيف وارتعاش الخريف. سألتها عن اسمها فتبدّى، من أخاديدها حنان الأليف. واستدارت تقص إن أباها، من (زبيد) وأمها من (ثقيف). فأعادت لها الربيع فماست، في شبابين تالد وطريف. نزلت ضيفة الحنان فكانت، لديار الضياع أسخى مضيف. نزلت في مواكب من شروق، وحشود من اخضرار الرّفيف. في إطار من انتظار العصافير، ومن لهفة الصباح الكفيف. وتهادت على الرّبى فتلظّى، في عروق الثلوج دفء الصيف. وأجادت من الفراغ وجودها، وجبالها من الشموخ المنيف. رجعت فانثنى اصفرار التوابيت، إلى خضرة الشباب الوريف.
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ
يقول امرؤ القيس:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَعِرفانِ، ورَسمٍ عَفَت آياتُهُ مُنذُ أَزمانِ. أَتَت حُجَجٌ بَعدي عَلَيها فَأَصبَحَت، كَخَطِّ زَبورٍ في مَصاحِفِ رُهبانِ. ذَكَرتُ بِها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيَّجَت، عَقابيلَ سُقمٍ مِن ضَميرٍ وَأَشجانِ. فَسَحَّت دُموعي في الرِداءِ كَأَنَّه، كُلى مِن شُعَيبٍ ذاتُ سَحٍّ وَتَهتانِ. إِذا المَرءُ لَم يَخزُن عَلَيهِ لِسانَهُ، فَلَيسَ عَلى شَيءٍ سِواهُ بِخَزّانِ. فَإِمّا تَرَيني في رِحالَةِ جابِرٍ، عَلى حَرَجٍ كَالقَرِّ تَخفُقُ أَكفاني. فَيا رُبَّ مَكروبٍ كَرَرتُ وَراءَهُ، وَعانٍ فَكَكتُ الغُلَّ عَنهُ فَفَدّاني. وَفِتيانِ صِدقٍ قَد بَعَثتُ بِسُحرَةٍ، فَقاموا جَميعاً بَينَ عاثٍ وَنَشوانِ. وَخَرقٍ بَعيدٍ قَد قَطَعتُ نِياطَهُ، عَلى ذاتِ لَوثٍ سَهَوةِ المَشيِ مِذعانِ. وَغَيثٍ كَأَلوانِ الفَنا قَد هَبَطتُهُ، تَعاوَرُ فيهِ كُلُّ أَوطَفَ حَنّانِ. عَلى هَيكَلٍ يُعطيكَ قَبلَ سُؤالِهِ، أَفانينَ جَريٍ غَيرَ كَزٍّ وَلا وانِ. كَتَيسِ الظِباءِ الأَعفَرِ انضَرَجَت لَهُ، عُقابٌ تَدَلَّت مِن شَماريخَ ثَهلانِ. وَخَرقٍ كَجَوفِ العيرِ قَفرٍ مَضَلَّةٍ، قَطَعتُ بِسامٍ ساهِمِ الوَجهِ حُسّانِ. يُدافِعُ أَعطافَ المَطايا بِرُكنِهِ، كَما مالَ غُصنٌ ناعِمٌ فَوقَ أَغصانِ. وَمُجرٍ كَغَيلانِ الأُنَيعَمِ بالِغٍ، دِيارَ العَدُوِّ ذي زَهاءٍ وَأَركانِ. مَطَوتُ بِهِم حَتّى تَكِلَّ مَطِيُّهُم، وَحَتّى الجِيادُ ما يُقَدنَ بِأَرسانِ. وَحَتّى تَرى الجَونُ الَّذي كانَ بادِن، عَلَيهِ عَوافٍ مِن نُسورٍ وَعِقبانِ.
يا صاحِبَي رَحلِيَ لا تُكثِرا
يقول أبو العتاهية:
يا صاحِبَي رَحلِيَ لا تُكثِرا، مِن شَتمِ عَبدِ اللَهِ مِن عَذلِ. سُبحانَ مَن خَصَّ ابنَ مَعنٍ بِما، أرى بِهِ مِن قِلَّةِ العَقلِ. قالَ ابنُ مَعنٍ وَجَلا نَفسَهُ، عَلَى مَنِ الجَلوَةُ يا أَهلي. أَنا فَتاةُ الحَيِّ مِن وائِلٍ، في الشَرَفِ الشامِخِ وَالنُبلِ. ما في بَني شَيبانَ أَهلِ الحِجا، جارِيَةٌ واحِدَةٌ مِثلي. يا لَيتَني أَبصَرتُ دَلّالَةً، تَدُلُّني اليَومَ عَلى فَحلِ. وَيلي ويا لهفي عَلى أَمرَدٍ، يُلزِقُ مِنّي القُرطَ بِالحِجلِ. صافَحتُهُ يَوماً عَلى خَلوَةٍ، فَقالَ دَع كَفّي وَخُذ رِجلي. أُختُ بَني شَيبانَ مَرَّت بِنا، مَمشوطَةً كوراً عَلى بَغلِ. تُكنى أَبا الفَضلِ وَيا مَن رَأى، جارِيَةً تُكنى أَبا الفَضلِ. قَد نَقَّطَت في وَجهِها نُقطَةً، مَخافَةَ العَينِ مِنَ الكُحلِ. إِن زُرتُموها قالَ حُجّابُها، نَحنُ عَنِ الزوّارِ في شُغلِ. مَولاتُنا مَشغولَةٌ عِندَها، بَعلٌ وَلا إِذنَ عَلى البَعلِ. يا بِنتَ مَعنِ الخَيرِ لا تَجهَلي، وَأَينَ إِقصارٌ عَنِ الجَهلِ. أَتَجلِدُ الناسَ وَأَنتَ امرُؤٌ، تُجلَدُ في الدُبرِ وَفي القُبلِ. ما يَنبَغي لِلناسِ أَن يَنسُبوا، مَن كانَ ذا جودٍ إِلى البُخلِ. يَبذُلُ ما يَمنَعُ أَهلُ النَدى، هَذا لَعَمري مُنتَهى البَذلِ. ما قُلتُ هَذا فيكَ إِلّا وَقَد، جَفَّت بِهِ الأَقلامُ مِن قَبلي.
اترك تعليقاً