أروع القصائد في الأدب العربي
On 11:31 ص by سعيد التميميأراك عصي الدمع، شيمتك الصبر
قال الشاعر أبو فراس الحمداني:
أراك عصيَّ الدمع شيمتك الصبر،
ألا للهُوى نهيٌٌ عليك ولا أمر.
بلى، أنا مشتاقٌ وعندي لوعه،
ولكنّ مثلي لا يُذاع له سر.
إذا الليل أضواني بسطت يده الهَوى،
وأذللتُ دمعًا من خُلائقه الكبر.
تَكادُ تضئ النارُ بين جوانحي،
إذا هي أذكَتها الصَّبابةُ والفكر.
مُعَلِّلَتي بالوصل والموت دونه،
إذا متَّ ظمآنًا فلا نزل القطر.
حفظتُ وضَيّعتِ المودّة بيننا،
وأحسن مِن بعض الوفاء لك العذر.
وما هذه الأيام إلا صحائفٌ،
لأحرفِها مِن كفِّ كاتبِها بشر.
بنفسي مِن الغادين في الحي غادة،
هوايَ لها ذنب وبَهجتها عذر.
تَروغُ إلى الواشين فيَّ وإن لي،
لأُذُنًا بِها عن كل واشيَةٍ وقر.
بدوتُ وأهلي حاضرون لأنني،
أرى أن دارًا لستِ من أهلها قفر.
وحاربتُ قومي في هواك وإنهم،
وإيّايَ لولا حبّك الماء والخمر.
فإن يكُ ما قالَ الوُشاةُ ولم يكن،
فقد يهدِمُ الإيمان ما شيّدَ الكفر.
وفَيْتُ وفي بعض الوفاء مذلّةٌ،
لإنسانةٍ في الحي شيمتها الغدر.
وقورٌ وريعان الصبا يستفزُّها،
فتَأرَنُ أحيانًا كَما أَرِنَ المُهر.
تسألني من أنت وهي عليمةٌ،
وهل بِفتىً مثلي على حاله نُكرُ؟
فقلتُ كما شاءت وشاء لها الهوى،
قتيلُكِ، قالت أيّهم فهم كثير.
فقلتُ لها لو شئتِ لم تتعنتي،
ولم تسألي عني وعندك بي خبر.
فقالت لقد أزرى بك الدهرُ بعدنا،
فقلت معاذ الله، بل أنتِ لا الدهر.
وما كان للأحزان لولاكِ مسلكٌ،
إلى القلب، لكن الهوى للبلى جسر.
وتَهلِكُ بين الهزل والجد مُهجَةٌ،
إذا ما عداها البين عذَبتها الهجر.
فأيقنتُ أن لا عِزَّ بعدي لعاشقٍ،
وأن يدي مما علِقتُ به صفر.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
يقول أبو القاسم الشّابي:
إذا الشَّعبُ يوماً أرادَ الحياةَ،
فلا بد أن يستجيبَ القدر.
ولا بد للليل أن ينجلي،
ولا بد للقيد أن ينكسر.
ومن لم يعانقْه شوقُ الحياةِ،
تَبخرَ في جوّها واندثر.
فويلٌ لمن لم تشُقْه الحياةُ،
من صفعة العدم المنتصر.
كذلك قالت لي الكائناتُ،
وحدّثني روحُها المستتر.
ودمدمتِ الريحُ بين الفجاجِ،
وفوق الجبالِ وتحت الشجر.
إذا ما طمحْتُ إلى غايةٍ،
ركبتُ المنى ونسيتُ الحذر.
ولم أتجنّبْ وعورَ الشِعابِ،
ولا كبّة اللهب المستعر.
ومن لا يحبُ صعودَ الجبالِ،
يَعِشْ أبَدَ الدهرِ بين الحُفَر.
فعجّتْ بقلبي دماءُ الشبابِ،
وضجّت بصَدري رياحٌ أُخَر.
وأطرقتُ أُصغي لقصفِ الرعودِ،
وعزفِ الرياحِ ووقْعِ المطر.
وقالت لي الأرضُ لما سألتُ،
أيا أمُّ، هل تكرهينَ البشر؟
أُباركُ في الناسِ أهلَ الطموحِ،
ومَن يستلذُ ركوبَ الخطر.
وألعنُ مَن لا يماشي الزمانَ،
ويقنعُ بالعيشِ عيشَ الحجر.
هو الكونُ حيٌّ يحبُ الحياةَ،
ويحتقرُ الميتَ مهما كَبُر.
فلا الأُفقُ يحضُنُ ميتَ الطيورِ،
ولا النحلُ يلثِمُ ميتَ الزهر.
ولولا أُمومَةُ قلبي الرؤومُ لما
ضمّتِ الميتَ تلكَ الحفَر.
فويلٌ لمن لم تشُقْهُ الحياةُ،
من لعنة العدم المنتصر.
قصيدة الحزن
يقول نزار قباني:
علمني حبك .. أن أحزن،
وأنا محتاج منذ عصور
لِامرأة تجعلني أحزن،
لِامرأة أبكي بين ذراعيها،
مثل العصفور..
لِامرأة.. تجمع أجزائي،
كشظايا البللور المكسور.
علمني حبك.. سيدتي،
أسوأ عادات،
علمني أفتح فنجاني،
في الليلة آلاف المرات..
وأجرب طب العطارين..
وأطرق باب العرافات..
علمني .. أخرج من بيتي..
لأمشط أرصفة الطرقات،
وأطارد وجهك..
في الأمطار ، وفي أضواء السيارات..
وأطارد طيفك..
حتى .. حتى ..
في أوراق الإعلانات ..
علمني حبك..
كيف أهيم على وجهي..ساعات،
بحثا عن شعر غجري،
تحسده كل الغجريات.
بحثا عن وجهٍ.. عن صوتٍ..
هو كل الأوجه والأصوات.
أدخلني حبك.. سيدتي،
مدن الأحزان..
وأنا من قبلك لم أدخل،
مدن الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان،
أن الإنسان بلا حزنٍ،
ذكرى إنسان..
علمني حبك..
أن أتصرف كالصبيان،
أن أرسم وجهك ..
بالطبشور على الحيطان..
وعلى أشرعة الصيادين،
على الأجراس..
على الصلبان.
علمني حبك..
كيف الحب يغير خارطة الأزمان..
علمني أني حين أحب..
تكف الأرض عن الدوران.
علمني حبك أشياءً..
ما كانت أبداً في الحسبان.
فقرأت أقاصيص الأطفال..
دخلت قصور ملوك الجان،
وحلمت بأن تتزوجني،
بنت السلطان..
تلك العيناها.. أصفى من ماء الخلجان،
تلك الشفتاها.. أشهى من زهر الرمان،
وحلمت بأني أخطفها،
مثل الفرسان..
وحلمت بأني أهديها،
أطواق اللؤلؤ والمرجان..
علمني حبك يا سيدتي، ما الهذيان،
علمني كيف يمر العمر..
ولا تأتي بنت السلطان..
رجعتُ لنفسي واتّهمتُ حصاتي
يقول حافظ إبراهيم:
رَجَعتُ لِنَفسي فَاتَّهَمتُ حَصاتي،
ونادَيتُ قَومي فاحتسبتُ حياتي.
رَمَوني بعُقمٍ في الشباب، ولَيتَني،
عقمتُ فلم أجزع لقول عُداتي.
وَلَدتُ ولمّا لم أجد لِعَرائسي،
رجالًا وأكفاءً وأدتُ بناتي.
وَسِعتُ كِتابَ اللّهِ لفظًا وغايَةً،
وما ضِقتُ عن آيٍ به وعظات.
فَكيفَ أضيقُ اليَومَ عن وَصفِ آلَةٍ،
وتنسيقِ أسماءٍ لمختَرعات؟
أنا البَحرُ في أحشائِهِ الدّرُّ كامنٌ،
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عن صَدَفاتي؟
فَيا وَيحَكُم أَبلى وتَبلى مَحاسِني،
ومِنكُم وإن عَزَّ الدَواءُ أَساتي.
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فإنّني،
أخافُ عليكم أَن تَحينَ وفاتي.
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزًّا ومَنعةً،
وكم عَزَّ أَقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ.
أتَوا أَهلهُم بِالمُعجِزاتِ تفنُّنًا،
فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ.
أيُطرِبُكُم مِن جانبِ الغَربِ ناعِبٌ،
يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي؟
ولَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُ،
بِما تَحتَهُ مِن عثرَةٍ وشَتاتِ.
سقى اللَّهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً،
يَعِزُّ عَلَيها أن تَلينَ قناتي.
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وحَفِظتُهُ،
لَهُنَّ بِقَلبٍ دائمِ الحَسَرات.
وفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ والشَرقُ مُطرِقٌ،
حياءً بتِلكَ الأَعظُمِ النَخِرات.
اترك تعليقاً