أشعار نزار قباني تعبر عن الحنين والمشاعر العاطفية
On 6:11 م by ياسمين العبداللهقصيدة حقائب الدموع والبكاء
حينما يحل الشتاء
وتحرك رياحه ستائري
أشعر، يا صديقتي،
بحاجة ماسة إلى البكاء
على ذراعيك
وعلى دفاتري
حينما يأتي الشتاء
وتختفي أصوات العصافير
وتصبح جميع الطيور بلا مأوى
يبدأ النزيف في قلبي.. وفي أناملي
كما تسقط الأمطار في السماء
تهطل، يا صديقتي، داخلي
عندئذ.. يصحبني
شوق طفل للانهيار
على حرير شعرك الطويل كالسنابل
كالسفينة المتعبة
كطير مهاجر
يبحث عن نافذة تضيء
يبحث عن ملاذ في عتمة الجدائل
حينما يحل الشتاء
ويضيع ما في الحقل من جمال
ويخفي النجوم تحت رداءه الحزين
يأتي إلى الحزن من عتمة المساء
كطفل شاحب وغريب
مبلل الخدين والرداء
أبادر بفتح الباب لهذا الزائر العزيز
أمنحه السرير.. والغطاء
أمنحه.. كل ما يشاء
من أين جاء الحزن، يا صديقتي
وكيف حضر
حاملاً في يده
زنابق رائعة الشحوب
يحمل لي..
حقائب الدموع والبكاء..
قصيدة شؤون صغيرة
تمر بحياتك.. دون التفات
توازي بالنسبة لي كل حياتي
أحداث قد لا تهمك
أبني منها قصوراً
وأعيش خلالها شهوراً
وأغزل منها حكايات عديدة
وألف سماوات
وألف جزيرة
إنها شؤونك الصغيرة
فحين تدخن، أجثو أمامك
كقطتك اللطيفة
ومليء بالأمان
أتابع بصمت معجبة
خيوط الدخان تملأ المكان
دوائر.. دوائر
وترحل في آخر الليل عني
كنجمة، كطيبة مهاجرة
تتركيني، يا صديقي الغالي
لرائحة التبغ والذكريات
وأبقى أنا
في برودة انفرادي
وزادي هو.. كل ما أملك
حطام السجائر
وصحن لجمع الرماد
ويضم رمادي
وعندما أكون مريضة
وتحمل أزهارك الثمينة
إلي، يا صديقي
وتضع يدي في يديك
يعود لي الوهج والحيوية
وتلتصق الشمس بخدي
وأبكي.. وأبكي.. بلا إرادة
وأنت تضع الغطاء علي
وتجعل رأسي على الوسادة
تمنيت لو أني
أظل.. أظل مريضة
لتسأل عني
لتقدم لي كل يوم
زهوراً جميلة
وإذا رن الهاتف في بيتنا
أطير إليه
يا صديقي العزيز
بفرحة طفل صغير
بشوق طائر شارد
وأحضن الجهاز
وتمتد أصابعي لأسلاكها الباردة
وأنتظر الصوت
صوتك يتسلل إلي
دافئاً.. مليئاً.. قوياً
كصوت نبي
كصوت ارتطام النجوم
وأبكي.. وأبكي
لأنك فكرت في
لأنك من سماوات الغيب
هتفت إلي
وعندما أزورك
لاستعارة كتاب
لكي أظهر أنني جئت لاستعارة كتاب
تمتد أصابعك المتعبة
نحو المكتبة
وأبقى أنا.. في ضباب الضباب
كأني سؤال بلا جواب
أحدق فيك وفي المكتبة
كما تفعل القطة اللطيفة
تتساءل إن كنت اكتشفت
إن كنت قد علمت
بأنني لم أتيت من أجل الكتاب
وأنني لست سوى كاذبة
.. وأتسلل سريعاً إلى مخدعي
أضم الكتاب إلى صدري
كأني حملت الوجود معي
وأشعل نوري.. وأسدل حولي الستائر
وأفتش بين السطور.. وخلف السطور
وأركض وراء الفواصل.. أركض
وراء النقاط الدائرة
ورأسي يدور
كأني طائر جائع
يبحث عن فضلات البذور
لعلك.. يا صديقي العزيز
تركت في أحد الزوايا
عبارة حب قصيرة
حديقة شوق صغيرة
لعلك بين الصفحات أخفيت شيئاً
سلاماً صغيراً.. يعيد السلام إلي
وحين نكون معاً في الطريق
وتأخذ ذراعي دون قصد
أشعر، يا صديقي
بشيء عميق
بشيء يشبه طعم الحريق
على مرفقي
وأرفع كفي نحو السماء
لتجعل طريقي بلا انتهاء
وأبكي.. وأبكي بلا توقف
كي يستمر ضياعي
وحين أعود مساءً إلى غرفتي
وأخلع عن كَتفي الرداء
أشعر، وما أنت في غرفتي
بأن يديك
تلتفان برحمة مرفقي
وأبقى لأعبد، يا مرهقي
مكان أصابعك الدافئة
على فستاني الأزرق
وأبكي.. وأبكي.. بلا توقف
كأن ذراعي ليست ذراعي
قصيدة مع جريدة
أخرج من معطفه الجريدة
وعلبة الثقاب
ودون أن يلاحظ اضطرابي
وبغير اهتمام
تناول السكر من أمامي
ذوذبه في الفنجان قطعتين
ذوبني.. ذوب قطعتين
وبعد لحظات
ودون أن يراني
ويعرف الشوق الذي اعتراي
أخذ المعطف من أمامي
وغاب في الزحام
خلفاً وراءه.. الجريدة
وحيدة
كحالتي.. وحيدة
قصيدة يوميات رجل مهزوم
لم يحدث أبداً
أن أحببت بهذا العمق
لم يحدث.. لم يحدث أبداً
أن سافرت مع امرأة
إلى بلاد الشوق
وضربت شواطئ نهديها
كالرعد الغاضب، أو كالبرق
فأنا في الماضي لم أعشق
بل كنت أمثل دور العشق
لم يحدث أبداً
أن أوصلني حب امرأة حتى الهلاك
لم أتعرف قبلك على واحدة
هزمتني، أخذت أسلحتي
هزمتني.. في مملكتي
نزعت عن وجهي أقنعتي
لم يحدث أبداً، سيدتي
أن ذقت الألم، وذقت الحرق
كوني واثقة.. سيدتي
سيحبك.. آلاف غيري
وستستلمين بريد الشوق
لكن.. لن تجدي بعدي
رجلاً يحبك بهذا الصدق
لن تجدي أبداً
.. لا في الغرب
ولا في الشرق
قصيدة لا تحبييني
هذا الهوى
ما عاد يُغريني
فلتستريحي.. ولتحريحيني
إن كان حبكِ.. في تقلبه
ما رأيت
فلا تحبيني
حبي
هو الدنيا بكاملها
أما عشقكِ.. فلا يعني لي شيئاً
أحزاني الصغيرة.. تعانقني
وتزورني
إن لم تزوريني
ما يهمني
ما تشعرين به
إذا كان اعتقادي فيكِ يكفيني
فالحب
وهم في خواطرنا
كالعطر، في بساتيننا
عيناكِ
من حزني خلقتُهما
ما أنتِ
ما عيناكِ من سواكِ
فمُكِ الصغيرُ
أدرتُهُ بيدي
وزرعتُ فيه أزهار الليمون
حتى جمالكِ
ليس يُذهلني
إذا غاب من حين لآخر
فالشوق يفتح ألف نافذة
خضراء
عن عينيكِ تغنيني
لا فرق عندي. يا معذبتي
أحببتِني
أم لم تحبيني
أنتِ تستريحي.. من هوايَ أنا
لكن سألتكِ
لا تريحيني
اترك تعليقاً