شعر حاتم الطائي: لمحات من إبداع شاعر العطاء والكرم
On 4:59 ص by عائشة الملاالشعر
يُعَرف الشعر كأحد أشكال الفنون الأدبية، وهو يتكون من مجموعة من الأبيات الشعرية التي تتفق في نهاياتها على تفعيلة أدبية تعرف باسم القافية. يتميز الشعر بقدرته الفائقة على نقل مشاعر الإنسان وأفكاره، حيث يعكس تجارب الشاعر ومشاعره بأسلوبٍ جمالي متنوع. يتواجد في هذا الشكل الأدبي عدة أنماط، مثل الشعر الموزون، وشعر التفعيلة، بالإضافة إلى الشعر الحر. في هذا المقال، سنستعرض مجموعة من القصائد للشاعر العربي المعروف حاتم الطائي.
لست آكله وحدي
حاتم الطائي هو شاعر عربي من فترة الجاهلية، وكان أميراً لقبيلة طيء. وُلد قبل ظهور الإسلام وكان مسيحياً، وتوفي قبل انتشار الدعوة الإسلامية. ورث عن عائلته الصفات النبيلة مثل الجود والسخاء، وكان دائماً يُحث على مكارم الأخلاق. في قصيدته، يخاطب حاتم زوجته ماوية بنت عبدالله:
أَيا اِبنَةَ عَبدِ اللَهِ وَاِبنَةَ مالِك
وَيا اِبنَةَ ذي البُردَينِ وَالفَرَسِ الوَردِ
إِذا ما صَنَعتِ الزادِ فَاِلتَمِسي لَهُ
أكيلاً فَإِنّي لَستُ آكِلَهُ وَحدي
أَخاً طارِقاً أَو جارَ بَيتٍ فَإِنَّني
أَخافُ مَذَمّاتِ الأَحاديثِ مِن بَعدي
وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ ثاوِي
وَما فيَّ إِلّا تِلكَ مِن شيمَةِ العَبدِ
مهلاً نوار اقلي اللوم والعذلا
كان حاتم من أبرز شعراء العرب الذين تأثرت أشعارهم بشخصيتهم الفريدة، حيث عُرف شعره بالكرم والجود. وقد تطابقت أفعاله مع أقواله، حيث تمحورت أشعاره حول المعاني العميقة والفصاحة. توفي حاتم في عوارض، وهو جبل في بلاد طيء. ومن روائعه، قصيدة رد فيها على لوم زوجته:
مهلاً نوار اقلي اللوم والعذلا
ولا تقولي، لشيء فات، ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه
مهلاً وإن كنت أعطي الجن والخبلا
يرى البخيل سيل المال واحدة
إن الجواد يرى في ماله سيلا
إن البخيلَ إذا ما مات يتبعه
سُوءُ الثّناءِ ويحوي الوارِثُ الإبِلا
فاصدقْ حديثك إن المرء يتبعه
ما كان يَبني إذا ما نَعْشُهُ حُمِلا
لَيتَ البخيلَ يراهُ النّاسُ كُلُّهُمُ
كما يراهم فلا يقرى إذا نزلا
لا تعذليني على مال وصلت بهِ
رحماً وخير سبيل المال ما وصلا
يَسعى الفتى وحِمامُ الموْتِ يُدرِكُه
وكلُّ يَوْمٍ يُدَنّي للفتى الأجَلا
إني لأعلم أني سوف يدركني
يومي أصبح عن دنياي مشتغلا
فليتَ شعري وليتٌ غيرُ مُدرِكة
لأيّ حالٍ بها أضْحَى بنُو ثُعَلا
أبلغْ بني ثعل عني مغلغلة
جهد الرسالة لا محكاً ولا بطلا
أغزوا بني ثعل، فالغزو حظكم
عُدّوا الرّوابي ولا تبكوا لمن نكَلا
ويهاً فداؤكم أمي وما ولدتْ
حامُوا على مجدِكم، واكفوا من اتّكلا
إذْ غاب مبن غاب عنهم من عشيرتنا
وأبدَتِ الحرْبُ ناباً كالِحاً، عَصِلا
اللَّهُ يَعْلَمُ أنّي ذو مُحافَظَة
ما لم يَخُنّي خَليلي يَبْتَغي بَدَلا
فإنْ تَبَدّلَ ألفاني أخا ثِقَة
عَفَّ الخليقة لا نِكْساً ولا وكِلا
أماوي قد طال التجنب والهجر
يرتبط الكرم والسخاء بشاعرنا حاتم الطائي، ولديه زاخر بالشعر والبلاغة. يُروى أنه استضاف ذات ليلة شعراء مثل عبيد وبشر والنابغة، ونحر لهم ثلاثة من إبله دون أن يعلم هويتهم، وعندما عرفهم أهدى لهم كل ما لديه. ومن بين قصائده البارزة هذه القصيدة:
أماوي قد طال التجنب والهجر
وقد عذرتني من طلابكم العذرُ
أماوي إن المال غادٍ ورائح
ويبقى من المال الآحاديث والذكرُ
أماوي إني لا أقول لسائلٍ
إذا جاءَ يوْماً حَلّ في مالِنا نَزْرُ
أماوي إما مانع فمبين
وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجرُ
أماوي ما يغني الثراءُ عن الفتى
إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدرُ
إذا أنا دلاني الذين أحبهم
لِمَلْحُودَة زُلْجٌ جَوانبُها غُبْرُ
وراحوا عجلاً ينفصون أكفهم
يَقولونَ قد دَمّى أنامِلَنا الحَفْرُ
أماوي إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض لا ماء هناك ولا خمرُ
ترى ْ أن ما أهلكت لم يك ضرني
وأنّ يَدي ممّا بخِلْتُ بهِ صَفْرُ
أماوي إني رب واحد أمه
أجرت، فلا قتل عليه ولا أسرُ
وقد عَلِمَ الأقوامُ لوْ أنّ حاتِماً
أراد ثراء المال كان له وفرُ
وإني لا آلو بكالٍ ضيعة
فأوّلُهُ زادٌ وآخِرُهُ ذُخْرُ
يُفَكّ بهِ العاني ويُؤكَلُ طَيّباً
وما إن تعريه القداح ولا الخمرُ
ولا أظلِمُ ابنَ العمّ إنْ كانَ إخوَتي
شهوداً وقد أودى بإخوته الدهرُ
عُنينا زماناً بالتّصَعْلُكِ والغِنى
كما الدهر في أيامه العسر واليسرُ
كَسَينا صرُوفَ الدّهرِ لِيناً وغِلظَة
وكلاً سقاناه بكأسيهما الدهرُ
فما زادنا بأواً على ذي قرابة
غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقرُ
فقِدْماً عَصَيتُ العاذِلاتِ وسُلّطتْ
على مُصْطفَى مالي أنامِلِيَ العَشْرُ
وما ضَرّ جاراً يا ابنة َ القومِ فاعلمي
يُجاوِرُني ألاَ يكونَ لهُ سِترُ
بعَيْنيّ عن جاراتِ قوْميَ غَفْلَة
وفي السّمعِ مني عن حَديثِهِمِ وَقْرُ
وعاذلة هبت بليل تلومني
خلال دراسة بعض تجارب حياة الشاعر الكريم حاتم الطائي، يتضح أن هناك ثلاث نساء كان لهّن تأثير كبير على شعره وحياته: أمه، وزوجته، وابنته. وكانت زوجته التي تغنت بها كاتبة تخاطبه بحب وتحثه على التراجع عن بعض أفعاله، ومن روائعه توجد القصيدة التالية:
وعاذلة هبت بليل تلومني
وقد غاب عيوق الثريا فعردا
تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة
إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
تقولُ ألا أمْسِكْ عليكَ، فإنّني
أرى المال عند الممسكين معبَّدا
ذَريني وحالي إنّ مالَكِ وافِرٌ
وكل امرئٍ جارٍ على ما تعودا
أعاذل لا آلوك إلا خليقني
فلا تَجعَلي فوْقي لِسانَكِ مِبْرَدا
ذَرِيني يكُنْ مالي لعِرْضِيَ جُنّة
يَقي المالُ عِرْضِي، قبل أن يَتَبَدّدا
أرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً لَعَلّني
أرَى ما تَرَينَ، أوْ بَخيلاً مُخَلَّدا
وإلاّ فكُفّي بَعضَ لومكِ واجعلي
إلى رأي من تلحين رأيك مسندا
ألم تعلمي، أني، إذا الضيف نابني
وعزّ القِرَى ، أقري السديف المُسرْهدا
أسودُ سادات العشيرة عارفاً
ومن دونِ قوْمي في الشدائد مِذوَدا
وألفى ، لأعراض العشيرة حافظا
وحَقِّهِمِ حتى أكونَ المُسَوَّدا
يقولون لي أهلكت مالك فاقتصد
وما كنتُ لولا ما تقولونَ، سيّدا
كلوا الآن من رزق الإله وأيسروا،
فإنّ، على الرّحمانِ رِزْقَكُمُ غَدا
سأذخرُ من مالي دلاصاً وسابحاً،
وأسمرَ خطياً، وعضباً مهندا
وذالكَ يكفيني من المال كله
مصوفاً إذا ما كان عندي متلدا
ألا إنني هاجني الليلة الذكر
أما قصة حاتم الطائي التي جعلته يعثر على قلب ماوية بنت عفزر، تقول الروايات إنها كانت تتسم بجمالٍ يُشبه الملوك، وأعطت في يومٍ حق الاختيار للزواج من الشعراء. فعندما أرسلت دعوة إلى الشعراء، بناءً على طلبها بأن يقاربوها بشعر، فاز حاتم الطائي بقلبها. ومن أروع قصائده:
ألا إنني هاجني الليلة الذكرْ
وما ذاكَ منْ حُبّ النساءِ ولا الأشَرْ
ولكنني، مما أصاب عشيرتي
وقَوْمي بأقرانٍ، حَوالَيهمِ الصُّبَرْ
ليالي نمسي بين جوٍ ومسطحٍ
نشاوى ، لنا من كل سائمة ٍ جزرْ
فيا لَيتَ خيرَ الناسِ حيّاً ومَيّتاً
يقول لنا خيراً ويمضي الذي إئتمرْ
فإنْ كانَ شَرٌّ، فالعَزاءُ، فإنّنا
على وقعات الدهر، من قبلها، صبرْ
سقى الله، رب الناس سحاً وديمة ٍ
جَنُوبَ السَّراة ِ من مَآبٍ إلى زُعَرْ
بلادَ امرىء لا يَعرِفُ الذّمُّ بيتَهُ
له المشرب الصافي وليس له الكدرْ
تذكّرْتُ من وَهمِ بن عمرٍو جلادة ً
وجرأة معداه، إذا نازح بكرْ
فأبشرْ وقرَّ العين منك فإنني
أجيء كريماً، ولا ضعيفاً ولا حصرْ
اترك تعليقاً