طرق قراءة الشعر وفهمه
On 3:55 ص by مدير الموقعما هي آلية قراءة الشعر وفهمه؟
تتعلق آلية قراءة الشعر بكيفية استخلاص المعاني التي أراد الشاعر التعبير عنها من خلال قصيدته. ومن المعروف أن الغموض يميز الشعر العربي منذ الجاهلية وحتى العصر الحديث. لذا، يمكن الوصول إلى عمق القصيدة العربية عبر اتباع عدة خطوات رئيسية، وهي:
قراءة النص بشكل مضبوط
تعتبر هذه الخطوة الأولى، حيث يجب على القارئ قراءة النص بالشكل الصحيح، مع التأكيد على ضرورة وجود ضوابط لقواعد الإعراب بالشكل الصحيح أو شبه الكامل. فالتحكم في الإعراب يعتمد على فهم المعنى، مما يستدعي ضبط النص بشكل يوضح كل جوانبه. على سبيل المثال، عند قراءة بيت لأبي تمام:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
:::في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
يجب أن تقرأ هذه الأبيات بشكل مضبوط كما هو موضح.
تحديد موضوعات القصيدة
بعد إتمام قراءة النص بشكل صحيح، ينتقل القارئ إلى الخطوة التالية وهي: تحديد مواضيع القصيدة. إذ يعتبر تحديد الموضوعات أساسياً لفهم المعاني التي ينقلها الشاعر. كل قصيدة تحتوي على مجموعة من الأفكار التي يجب على القارئ اكتشافها للوصول إلى المعنى العام. على سبيل المثال، يمكن للقارئ أن يدرك موضوع قصيدة أبي تمام عند الوقوف على قوله:
يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت
:::مِنكَ المُنى حُفَّلًا مَعسولَةَ الحَلَبِ
أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
:::وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ
حيث يدرك القارئ من هذه الأبيات أن القصيدة تتناول معركة بين المسلمين والمشركين.
فهم الدلالات اللغوية للألفاظ
لتحقيق الفهم الكامل للقصيدة، تنتقل المرحلة التالية إلى معرفة الدلالات اللغوية للألفاظ. كل قصيدة تحتوي على مفردات ذات دلالات يتعين على القارئ معرفتها بدقة للوصول إلى المعنى الصحيح.
يتم ذلك من خلال تحليل الألفاظ وحروفها وتركيباتها، حيث يستكشف القارئ كل تفاصيل القصيدة: هل استخدم الشاعر حروفًا هادئة أم قوية؟
ثم يتحقق القارئ من ملاءمة الألفاظ للمعنى المراد. هل استخدم الشاعر ألفاظًا عذبة أم أنه اتجه إلى استخدام اللغة اليومية لتعزيز قربه من القارئ؟ على سبيل المثال، يقول أبو تمام:
فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ
:::نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
:::وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
هنا نلاحظ أن الشاعر استخدم ألفاظًا مهيبة تعكس الحدث الذي شارك فيه المسلمون في سبيل فتح بلاد جديدة.
تحليل الدلالات الرمزية والإيحية للألفاظ
تمثل القصيدة تعبيرًا عن اللغة في أسمى صورها، وتتضمن مجموعة من الرموز والإيحاءات. لذا يجب على القارئ أن يكون واعيًا لهذه الرموز، خاصة في الشعر الحديث الذي يعتمد كثيرًا على الرمزية كوسيلة للتعبير عن مقصده.
تتفاوت تفسيرات الرموز باختلاف العصور وفقًا لثقافة المتلقي. على سبيل المثال، في إحدى قصائد محمود درويش:
:مقهًى وأَنتَ مع الجريدة جالسٌ
:لا، لَسْتَ وحدَك
:نِصْفُ كأسك فارغٌ
:والشمسُ تملأ نصفها الثاني..
:ومن خلف الزجاج ترى المشاة المسرعين ولا تُرَى
:[إحدى صفات الغيب تلك:
:تَرى ولكن لا تُرَى]
:كم أَنت حُرُّ أَيها المنسيُّ في المقهى!
:فلا أَحدٌ يرى أَثَرَ الكمنجة فيك،
:لا أَحَدٌ يحملقُ في حضوركَ أو غيابكَ،
:أَو يدقِّقُ في ضبابك إن نظرتَ إلى فتاةٍ وانكسرت أَمامها.
التحليل البلاغي للقصيدة
بعد أن يستكشف القارئ طبقات القصيدة الرمزية واللغوية، يتوجب عليه دراسة العمل بلاغيًا. يتعين عليه التعمق في العناصر الجمالية للنص ومدى تماسك الكلمات والعبارات فيما بينها. على سبيل المثال، في قصيدة لأبي تمام:
حَتّى تَرَكتَ عَمودَ الشِركِ مُنعَفِرًا
:::وَلَم تُعَرِّج عَلى الأَوتادِ وَالطُنُبِ
في هذا البيت، نجد استعارة متقنة عند الإشارة إلى “عمود الشرك”، حيث يبني الشاعر على هذه الاستعارة ما يلي.
الإلمام بالثقافة المحيطة بالقصيدة
تمثل هذه الخطوة الأخيرة في دراسة القصيدة. يكفي للقارئ أن يكون ذات إلمام بثقافة العصر والشاعر لفهم الكلمات التي شكّلت النص، كما يتوضح في قول أبي تمام:
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
:::بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
:::صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
تَخَرُّصًا وَأَحاديثًا مُلَفَّقَةً
:::لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
عَجائِبًا زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
:::عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
:::إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
تُبرز هذه الأبيات كيف أن بعض الأفراد زعموا أن الفتح لا يتم خلال الأيام التي اختارها الخليفة لغزو المخالفين، وهو ما يثبت له، من خلال انتصاراته، أن التنجيم ليس علمًا حقيقيًا، بل إن السيوف والرماح هي التي تحقق النصر بإرادة الله.
إعادة قراءة القصيدة بشكل نهائي
بعد إتمام جميع مراحل القراءة من تحليل وفهم الرموز والتأمل في أساليب البلاغة التي اتبعها الشاعر، يتوجب على القارئ إعادة قراءة النص مرة أخرى. تصبح هذه القراءة مرحلة لتثبيت المعلومات التي جمعها القارئ عن مختلف مناحي القصيدة.
اترك تعليقاً