قصائد تعكس مشاعر الحزن
On 4:59 ص by سعيد التميميقصيدة زارني ذات مساء
تقول الشاعرة صباح الحكيم:
زارني ذات مساء طائر ذو غناء عذب، راح يشدو بحنين. سألت: ماذا تغني يا طير السماء؟ إنني أغفو وأنغام البكاء حولي. ردّ: أعلم، لقد جئت لأمسح عن عينيك دمعك، ولأهبك خيطًا من ضياء.
قلت: لكن قلبي غارقٌ في أساه، ابتعد عني! فإن لامست جراحي ستتألم أكثر، ولن ترى سوى البلاء. قال: لكنني مغرم بك، دعيني بين أوجاعك لأشد أواصر حبك، لعله يجد صدىً في عمق الشقاء.
قلت: حتمًا ستعاني من آلامي وجراحي، إن دموعي هي سرّ عذابي، فهي تغفو على راحتي البكاء. قال: يا حوريتي، لا! لن أستطيع المغادرة.. سأروي لك حنانًا سرمديا ونقاء.
فدعيني أستقر بين أطيافك، لا أبتغي سوى تضميد الجراح، فاقبلي، بستان نبضي وامنحي قلبي الرجاء. قلت: أخشى أن تمسّ اليوم زهور حديقتي، فهي في روض الصفاء. إنني أدرك ما تعاني، أنت تشكو من قسوة الجفاء.
لقد أتيت اليوم مختاراً من أطيب ثمار الأرض، لتحتسي كؤوساً عذبة ثم تنساني، ولا تسأل عني حين يسودني الوباء. أنت لا ترجو مني ما يهواك، مثلما تهوى زهورك وخريف العمر الذي راح يجرف كل شيء.
قال: أرجوك، ارحميني، واستمعي إلى نبضات قلبي، فإنها كالناي تبكي.. أنت عصفورة قلبي ولحني والغناء.
أنت صباحي حين يزهو، وأنت شمعات المساء. قلت: دعني في معاناتي، جئت لتسلو بفؤادي، ثم ترميني بمشاعرك في الهواء.
بات يشدو في رياضي ويتغنى في مسائي وصباحي، حاملاً ورد الأقاحي، بينما قلبي لا يزال غارقًا في ظلمة الحزن. آه، كم يهفو لنجمات السماء علها تهديه عقدًا من صفاء.
ادنُ مني قليلاً، ثم انأى بعد اللقاء. بعدها لملم عني جميع وردات الأمل، وأنا وحدي أعاني غربة الروح ودموعي والعناء.
قصيدة رسالة من المنفى
يقول الشاعر محمود درويش:
تحية وقبلة، وليس لدي ما أقول بعد، من أين أبدأ؟ وأين ينتهي هذا الزمان دون حدود؟ كل ما في غربتي هو زاد، يحتوي على رغيف يابس وشعور عميق. دفتر يحمل عني بعض ما حوته نفسي، فقد بصقت في صفحاته ما ضاق بي من حقد.
من أين أبدأ؟ وما قيل ويقال بعد غدٍ لن ينتهي بلمسة يد أو حضن دافئ، فالغريب لن يعود إلى دياره. لا تنزل الأمطار، ولا ينبت الريش على جناح طير ضائع ومنهد.
من أين أبدأ؟ تحية وقبلة وبعد، أقول للراديو: قل لها أنا بخير. أقول للعصفور: إن صادفتها يا طير، لا تنسني وقل بخير، أنا بخير.
ما زال في عيني وضوح الرؤية، وما زال في السماء قمر، وملابسي القديمة، حتى الآن لم تندثر. تمزقت أطرافها، لكنني رتقته، وما زال بخير.
أصبحت شابًا في العشرين، تخيلي، أصبحت في العشرين، وصرت شابًا كما تقول، أواجه الحياة وأحمل العبء كما يحمل الرجال.
أعمل في المطعم، أغسل الصحون وأصنع القهوة للزبائن. ألصق الابتسامات فوق وجهي الحزين، ليشعر الزبون بالفرح. لقد صرت في العشرين، وأنا شاب كما تقول، أدخن التبغ وأتكي على الجدار.
أقول للجميلة: آه، كما يقول الآخرون (يا إخوتي، ما أجمل البنات! تصوّري كم مرة تصبح الحياة بلاهن مرة فقط!). قال صديقي: (هل لديك رغيف؟ يا إخوتي، ما قيمة الإنسان إن نام كل ليلة جائعًا؟)
أنا بخير، أنا بخير. لدي رغيف أسمروه، وقطعة صغيرة من الخضار. سمعت في المذياع، قال الجميع: كلنا بخير، لا أحد حزين. فكيف حال والدي؟ ألم يزل كعهدهم، يحب ذكر الله والأبناء والتراب والزيتون؟
وكيف حال إخوتي، هل أصبحوا موظفين؟ سمعت والدي يقول: سيصبحون جميعًا معلمين. سمعته يقول: أجوع حتى أشتري لهم كتابًا، لا أحد في قريتي يفك حرفًا في رسالة.
وكيف حال أختنا؟ هل كبرت وجاءها خطّاب؟ وكيف حال جدتي؟ ألم تزل كعهدها تجلس عند الباب تدعو لنا بالخير والشباب والثواب؟
وكيف حال بيتنا، والعتبة الملساء، والمدفأة والأبواب؟ سمعت في المذياع رسائل المشردين للمشردين، جميعهم بخير، لكنني حزين، تكاد الظنون تأكلني.
لم يحمل المذياع عنكم خبرًا، ولو حزينًا. الليل يا أمي، ذئب جائع، يتربص بالغريب أينما ذهب. ماذا جنينا نحن يا أمي حتى نموت مرتين، مرة نعيش فيها ومرة نرحل عند الموت؟
هل تعلمين ما الذي يملأني بكاء؟
لقد مرضت ليلة.. وهدّ جسمي الداء. هل يذكر المساء: مهاجر أتى هنا ولم يعد إلى الوطن؟ هل يذكر المساء مهاجرًا مات بلا كفنه؟ غابة الصفصاف، هل ستذكرين أن الذي رُمِي تحت ظلك الحزين كان إنسانًا؟
هل تذكرين أنني إنسان وأنك تحفظين جثتي من سطوة الغربان؟ أمي يا أمي، من كتبت هذه الأوراق، أي بريد ذاهب يحملها؟ سدّت طريق البر والبحار والآفاق.
وأنت يا أمي، والدي، إخوتي، الأهل، الأصدقاء، لعلكم أحياء، لعلكم أموات، لعلكم مثلي بلا عنوان. ما قيمة الإنسان بلا وطن، بلا علم، ودون عنوان؟ ما قيمة الإنسان؟
قصيدة السماء كئيبة
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
قال: السماء كئيبة وتجهما. قلت: ابتسم، يكفي التجهم في السماء.
قال: الصبا ولّى. فقلت له: ابتسم، لن يرجع الأسف الصبا المتصرما.
قال: التي كانت سمائي في الهوى، صارت لنفسي في الغرام جهنما.
خانت عهودي بعدما ملكتها قلبي، فكيف أطيق أن أتبسم؟
قلت: ابتسم واطرب، فلو قارنتها لقضيت عمرك كله متألمًا.
قال: التجارة في صراع هائل، مثل المسافر كاد يقتله العطش.
أو غادة مسلولة محتاجة لدم، وتنفث كلما لهثت دمًا.
قلت: ابتسم، ما أنت جالب دائها وشفائها. فإذا ابتسمت فربما.
أَيكون غيرك مجرمًا، وتبيت في وجل كأنك أنت صرت المجرم؟
قال: العدى حولي علت صيحاتهم. أأُسرّ والأعداءُ حولي في الحمى؟
قلت: ابتسم، لم يطلبوك بذمهم، لو لم تكن منهم أجلّ وأعظم.
قال: المواسم قد بدت أعلامها، وتعرضت لي في الملابس والدمى.
وعليّ للأحباب فرضٌ لازمٌ، لكن كفي ليس تملك درهمًا.
قلت: ابتسم، يكفيك أنك لم تزل حيًا، ولست من الأحبة معدمًا.
قال: الليالي جرعتني علقما. قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقما.
فلعل غيرك إن رآك مرنما، طرح الكآبة جانبًا وترنما.
أتراك تغنم بالتبرم درهما، أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما؟
يا صاح، لا خطر على شفتيك أن تتثلما، والوجه أن يتحطما.
فاضحك، فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم، ولذا نحب الأنجما.
قال: البشاشة ليست تسعد كائنًا يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما.
قلت: ابتسم، مادامَ بينك والردى شبرٌ، فإنك بعد لن تتبسما.
قصيدة رحلتم والمدامع في انسكاب
يقول المعولي العماني:
رحلتم والمدامع في انسكاب، وقلبي من هواكم في اكتئاب.
وجسمي من صدودكم نحيل، فهل من رجوع أو إياب؟
فإن كنتم عزمتم على الرحيل، فقولي عسى أشرح لما بي.
عساكم ترحمون قاتل شوق، وأعرف منكم رد الجواب.
إلى كم أرتجي منكم وصالا، قريبه أم إلى يوم الحساب؟
وأخبركم بأني مستهام، حزين القلب منكم يا صحابي.
فإن كان اللقاء لنا قريبًا، وإلا قد غنيت من العتاب.
أما تدرون أني من هواكم، أكابد لوعةً وكذاك دابي؟
فما وقفوا ولا رقوا لصبر، ولا رفعوا ولا سمعوا صوابي.
وجدوا في المسير وخلفوني، أقلّب جبهتي فوق التراب.
وأجرى الدمع من شوقي إليهم، كما تجرى السيول من السحاب.
أبيت أردد الزفرات شوقا، وقلبي من نواهم في التهاب.
إليهم منهم ولهم عليهم، فما لي من سواهم من طلاب.
أُسائل عنهم من كل أرض، إلى أن غاب من جسمي شبابي.
ولما قد رأيت الشيب وافا، رجعت بعزمتي عن ذي الجناب.
وقمت أريد هجوا كل ساعٍ، إلى الخيرات من أهل اللباب.
وأمدح في قريضى كل ساعٍ، إلى الخيرات من أهل اللباب.
فمن طلب العطية من بخيل، كمن طلب الشراب من السراب.
ومن طلب العطية من كريم، كمن أدلى دلاه في العباب.
فلا تسأل بخيلاً عن عطاء، وجانبْهُ وعزّ عن الخطاب.
سلِ الكرماء، لا تسل شحيحًا، منازله بمنزلة الكلاب.
عجبت لطالب البخلاء نوالاً، أراك طلبت ظلًا من خراب.
فأي شحيح قومٍ نال عزًا، من الأزمان إلا في عذاب.
إذا سُئل البخيل يرد قولًا، أتسأل ذاك عن شيء عجاب؟
فلم يزل البخيل حزين قلبٍ، على الدنيا إلى يوم الحساب.
يعز إذا يتيه الضيف يومًا، ويدخل في الشقا من كل باب.
وإن لا قاه شخص من أناسٍ، توارى عن لِقاه بالحجاب.
وقال: أظن هذا رام رفدًا، يغطي وجهه مثل الكعاب.
لئلا ينظرون إليه حتى، تولّى عنه في بعض الشعاب.
فتبًا للبخيل ومن رعاه، ومن قد عز في طلب الثواب.
اترك تعليقاً