أبو العلاء المعري: معاني الحياة في قصائده ومعاناته
On 4:52 م by يوسف السعيدأبو العلاء المعري
أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي، المعروف بالشاعر أبو العلاء المعري، هو أحد أبرز الشخصيات الأدبية في تاريخ الأدب العربي. وُلد في معرّة النعمان، ومن هنا تم إطلاق لقب “المعري” عليه، وينتمي إلى قبيلة تنوخ الشهيرة. عُرف عن عائلته تميزها في مجالي الشعر والقضاء، حيث كان جده أول قاضٍ في معرّة النعمان.
تعرض أبو العلاء لمرض الجدري في طفولته مما أفقده بصره. وقد تلقى تعليمه في علوم الدين على يد عدد من الشيوخ الأجلاء من عائلته، كما أبدع في دراسة النحو والشعر في سن مبكرة. من أهم محطات حياته زيارته للعاصمة بغداد، حيث جمع حوله عددًا من التلاميذ ليحاضرهم في مجالات الفلسفة والشعر. طوال فترة وجوده في بغداد، التقى بمجموعة من العلماء وزار المكتبات، قبل أن يعود إلى بلده وينقطع للكتابة والتأليف، حتى وافته المنية.
قصيدة “تعب كلها الحياة”
تُعتبر قصيدة “تعب كلها الحياة” لأبي العلاء المعري واحدة من أبرز قصائد الأدب العربي، حيث تتناول جوهر الوجود وأهدافه بحكمة عميقة. تعكس هذه القصيدة أفكار المعري عن الموت والحياة، وتصنف ضمن المراثي التي كتبها المعري في رثاء الفقيه الحنفي أبي حمزة.
في هذه القصيدة، يقدم أبو العلاء تصويرًا للحياة خالية من الزخارف والمعاني العميقة، حيث يتسم أسلوبه بالصدق والعمق في التعبير. ينقل الشاعر أفكاره وحكمته بشجاعة، وفيما يلي بعض أبيات القصيدة:
غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي
نوح باكٍ ولا ترنم شاد
وشبيهٌ صوت النعيّ إذا قِيـ
س بصوت البشير في كلّ ناد
أبَكَت تلكم الحمامة أم غـ
نّت على فِرْعِ غُصنٍها الميّاد
صاحِ هذي قُبورُنا تملأ الرُحبَ
فأين القبور من عهد عاد
خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيْمَ الـ
أرض إلا من هذه الأجساد
وقبيحٌ بنا وإِنْ قَدُم العهدُ
هوانُ الآباء والأجداد
سِرْ إن اسطعت في الهواءٍ رُوَيداً
لا اختيالاً على رُفات العباد
رُب لحدٍ قد صار لحداً مراراً
ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
ودفينٍ على بقايا دفين
في طويل الأزمان والآباد
فاسأل الفَرْقَدين عمّن أحسّا
من قبيلٍ وآنَسا من بلاد
كم أقاما على زوال نهار
وأنارا لمُدْلِج في سواد
تعبٌ كُلّها الحياةُ فما أعـ
جبُ إلا من راغبٍ في ازدياد
إنّ حزناً في ساعة الموت
أضعاف سرورٍ في ساعة الميلاد
خُلق الناس للبقاء فضلّت
أمّة يحسبونهم للنّفاد
إنّما يُنقَلون من دار أعما
لٍ إلى دار شِقوة أو رَشَاد
ضَجعة الموتِ رَقْدَةٌ يستريح الـ
جسمُ فيها والعيْشُ مثلُ السُّهاد
أبَناتِ الهديلِ أسْعِدنَ أو عُدنَ
قليلَ العزاء بالإسعاد
إيه لله درّكن فأنتن الّـ
لواتي تُحسِنّ حِفظَ الوِدَاد
بيد أنّي لا أرتضي ما فعلت
نّ وأطواقكنّ في الأجياد
فتسلّبن واستعرن جميعاً
من قميص الدجى ثياب حداد
ثمّ غرّدن في المآتم واندب
ن بشجوٍ مع الغواني الخِرادِ
قصد الدهر من أبي حمزة الأّوّا
ب مولى حِجىً وخدن اقتصاد
وفقيهاً أفكاره شدید للنُّعـ
مانِ ما لم يشدْهُ شعر زياد
فالعراقيُّ بعده للحجاز
يّ قليل الخلاف سهل القياد
وخطيباً لو قام بين وحوش
علّم الضاريات بِرّ النِّقاد
راوياً للحديث لم يحوج المعـ
روف من صدقه إلى الأسناد
أنفق العمر ناسكاً يطلب العلـ
م بكشفٍ عن أصله وانتقاد
مستقي الكف من قليبِ زجاجٍ
بغروب اليراع ماء مداد
ذا بنانٍ لا تلمس الذهب الأح
مر زهداً في العسجد المستفاد
ودّعا أيها الحفيّان ذاك الـ
شخص إنّ الوداع أيسر زاد
واغسلاه بالدمع إن كان طهراً
وادفناه بين الحشى والفؤاد
واحبواه الأكفان من ورق المصـ
حف كبراً عن أنفس الأبراد
واتلوَا النعش بالقراءة والتسـ
بيح لا بالنحيب والعداد
أسفٌ غيرُ نافع واجتهادٌ
لا يؤدّي إلى غَناء اجتهاد
طالما أخرج الحزين جوى الحز
ن إلى غير لائقٍ بالسداد
مثلَ ما فاتت الصلاة سليما
ن فأنحى على رقاب الجياد
وهو من سُخرت له الإنْسُ والجِـ
ن بما صحّ من شهادة صاد
خاف غدر الأنام فاستودع الرِّيـ
ح سليلاً تغذوه درّ العهاد
وتوخّى له النجاة وقد أيـ
قن أنّ الحِمام بالمِرصاد
فرمته به على جانب الكر
سيّ أم اللُّهَيم أخت النآد
كيف أصبحت في مَحلّك بعدِي
يا جديراً منّي بحُسْنِ افتِقاد
قد أقرّ الطبيب عنك بعجزٍ
وتقضّى تَرددُ العوّاد
وانتهى اليأسُ منكَ واستشعر الوجـ
دُ بأن لامعادَ حتّى المعادِ
هجد الساهرون حولك للتم
ريض ويحٌ لأعيُن الهجّاد
من أسرة مضوَا غير مغرو
رين من عيشة بذات ضماد
لا يغيّركم الصعيد وكونوا
فيه مثل السيوف في الأغماد
فعزيزٌ علي خلطُ اللياليّ
رِمِّ أقدامكم بِرِمّ الهوادي
كنتَ خلّ الصبا فلما أراد الـ
بين وافقتَ رأيه في المراد
ورأيت الوفاء للصاحب الأ
وّل من شيمة الكِرام الجَواد
وخلعت الشباب غضّاً فيا لي
تك أبليته مع الأنداد
فاذهبا خير ذاهبين حقيقي
نِ بسقيا روائحٍ وغواد
ومَراثٍ لو أنّهن دموعٌ
لمَحَون السطور في الإنشاد
زحلٌ أشرف الكواكب داراً
من لقاء الرّدَى على مِيعادِ
ولِنار المريخ من حَدَثَان الدهـ
ر مطفٍ وإن علَت في اتقاد
والثريا رهينةٌ بافتراق الـ
شمل حتى تُعدُّ في الأفراد
فليكن للمحسّن الأجلُّ الممـ
دودُ رغماً لآنف الحساد
وليطبْ عن أخيه نفساً وأبنا
ء أخيه جرائحِ الأكباد
وإذا البحر غاض عني ولم أر
وَ فلا رِيّ بادّخار الثِّماد
كلّ بيت للهدم ما تبتني الور
قاء والسيد الرفيع العماد
والفتى ظاعنٌ ويكفيه ظلّ الـ
سدر ضربَ الأطناب والأوتاد
بان أمر الإله واختلف النا
سُ فداعٍ إلى ضلال وهاد
واللبيبُ اللبيبُ من ليس يغتـ
رُّ بكونٍ مصيره للفساد
من خلال حوارات فكرية عميقة، يختم المعري قصيدته بعمق الروح والعقل. كل بيت يحمل دلالات فلسفية متنوعة، حيث لم يلتزم الشاعر بقواعد الفلاسفة أو الشعراء فقط، بل قدم أعمالًا شعرية مفعمة بالتفكير العميق في مختلف مجالات الحياة. لذا، يعد أبو العلاء أحد أعظم الفلاسفة عبر العصور.
شعر المعري
لفهم خصائص شعر المعري، من المهم استيعاب الظروف التي أحاطت به. فقد أُطلق عليه لقب “فيلسوف الشعراء”، بل إن بعض النقاد ينظرون إليه كمرجع أساسي في الأدب. إن سعة علمه وانتشار الفكر الفلسفي في عصره، فضلاً عن إصابته بالعمى ووفاة والديه، كان لها تأثير عميق على تكوين شخصيته الشعرية والفلسفية.
تتسم مؤلفات المعري بتعدد الجوانب على مدار مسيرته الأدبية، ولكنها تتقارب في رسم فكرة المعري عن الوجود والحياة وتعبيره عن تشاؤمه وعقلانيته العميقة وسخريته. كما تتناول آراؤه ونقده لبعض العادات والأفكار، بالإضافة إلى تنوع الأساليب اللغوية والبلاغية المستخدمة في كتاباته.
اترك تعليقاً