أسباب نقل الحديث في اللغة العربية
On 9:22 م by حسين كمالأسباب ورود الحديث النبوي
يعتبر علم أسباب ورود الأحاديث من المجالات التي لم يكن لها اهتمام كبير من قبل المحدثين القدامى. وقد كان الحافظ البلقيني هو الأول الذي أبرز أهمية هذا العلم من خلال كتابه “محاسن الاصطلاح وتضمين كلام ابن الصلاح”، حيث قام بشرح مقدمة ابن الصلاح وأضاف عليها بعض الأنواع الجديدة. ثم تتابع بعده كل من ابن حجر والسيوطي، الذين ذكرا بعضاً من تلك الجوانب. وقد لاقى هذا العلم شهرة واسعة في سياق القرآن الكريم؛ نظراً لوجود بعض الآيات التي ترتبط بأسباب نزول معينة. وتعريف أسباب ورود الحديث هو العلم الذي يتحرى الأسباب التي أدت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- للتحدث به، ومن الممكن أن تكون هذه الأسباب عبارة عن سؤال، أو حادثة، أو قصة معينة.
أما بالنسبة لما يذكره الصحابي فيما بعد كاستشهاد أو استدلال بالحديث، فإن ذلك يعرف بــ”سبب الذكر”. فعلى سبيل المثال، يمكن القول إن السبب في ذكر الصحابي -رضي الله عنه- للحديث هو كذا، ومن الأمثلة الشهيرة لهذا هو قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني)، حيث أن سبب ظهور هذا الحديث كان خطبة علي -رضي الله عنه- ابنة أبي جهل على فاطمة -رضي الله عنها-، وتم ذكره من قبل الصحابة لاحقاً كنوع من التسلية لآل البيت -رضي الله عنهم- خلال الصعوبات. ويمثل علم أسباب ورود الحديث أحد الوسائل القوية لفهم حديث النبي. وقد تظهر هذه الأسباب في الحديث نفسه أو لا تظهر، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:
- القسم الأول: ورود السبب في نفس الحديث، مثل أن يكون جواباً على سؤال، كطلب جبريل -عليه السلام- عن الإيمان والإسلام والإحسان. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس، فأتى جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث. فسأله: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. فقال: وما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
- القسم الثاني: عدم ورود السبب في الحديث نفسه، لكنه قد يُذكر في بعض رواياته. هذا النوع يكون مفيدًا في استخراج الفقه من الحديث، كما في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة). وذُكر السبب في حديث آخر حيث قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد! فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاة مكتوبة).
مصادر معرفة أسباب ورود الحديث
توجد العديد من المصادر التي يمكن الاستناد إليها للوصول إلى أسباب ورود الحديث، منها:
- القرآن الكريم: مثال على ذلك قوله -تعالى-: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). فقد فهم الصحابة الكرام أن المقصود من هذه الآية هو الظلم والمعاصي، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- وضح لهم أن الظلم هنا متعلق بالشرك، كما ورد في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (لما نزلت هذه الآية: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أيُّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هو الشرك، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه: {إن الشرك لظلم عظيم}).
- السُنّة النبويّة: كأن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- حديثاً، ويكون فهم الصحابة له مُشكلًا، فيوضحه حديث آخر.
- ورود السبب لحادثة متعلقة بالسّامعين من الصحابة: مثل الرجل الذي نذر الصلاة في بيت المقدس إذا ما فتح الله -تعالى- على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأرشده النبي إلى الصلاة في البيت الحرام.
المؤلفات في أسباب ورود الحديث
تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المؤلفات التي تناولت موضوع أسباب ورود الحديث، حيث قام بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بتصنيفها. على سبيل المثال، أبو حفص العكبري هو من أوائل من أفرد هذا العلم بالتصنيف. وقد ذُكر عن ابن دقيق العيد أن بعض معاصريه صنفوا في هذا المجال، في حين ذكر السخاوي أن المصنفات في هذا العلم تزيد عن المئة. ومن المؤلفين البارزين في هذا العلم ما يلي:
- أبو حفص العكبري، وهو أول من ألف في أسباب ورود الحديث.
- أبو حامد بن كوتاه الجوباري.
- ابن حمزة الحسيني؛ إبراهيم بن محمد بن كمال في كتابه “البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف”.
- الإمام السيوطي في كتابه “اللمع في أسباب ورود الحديث”.
أهمية معرفة أسباب ورود الحديث
تعتبر معرفة أسباب ورود الحديث ذات أهمية كبيرة، ومن أبرز فوائدها:
- تقييد العام وتخصيصه: قد يأتي الحديث بشكل عام، ولكن يظهر حديث آخر يخصصه. كقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم)، وقد ورد في حديث آخر يُبين أن هذا الأجر كاملاً للجالس الذي لا يستطيع القيام.
- فهم الحديث: يساعد العلم بأسباب الوارد في تقديم فهم أعمق للحديث، لأنه يورث معرفة بالمسبب.
- الكشف عن العلل: يساعد على تحديد العلل الممكنة التي قد تكون موجودة في الحديث، ولا سيما في إسناده.
- تحديد المعنى المقصود: يمكن توضيح المعنى المراد من النص من خلال ما يأتي:
- تقييد المطلق: كقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء). حيث تم توضيح أن السنة المقصودة هنا هي الأمر ذو الأصل في الدين.
- تفصيل المجمل: مثل توجيه النبي -عليه الصلاة والسلام- لبلال -رضي الله عنه- أن يشفع عند الأذان، ويوتر بالإقامة، وهو ما ورد في حديث آخر يُبين تربيع التكبير وتثنية الإقامة.
- تحديد النسخ: أو توضيح الناسخ من المنسوخ، كالأحاديث التي تبين الفطر من الحجامة ومجيء حديث يُوضح احتجام النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم. اختلف العلماء حول النسخ في هذا السياق.
- توضيح المسائل المشكلة: كما في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (من حوسب يوم القيامة عُذّب، فقلت: أليس قد قال الله -عز وجل-: {فسوف يُحاسب حساباً يسيراً}؟ فقال: ليس ذلك الحساب، إنما ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عُذّب).
اترك تعليقاً