أفضل قصائد الشاعر أبي نواس
On 5:49 ص by طارق النابلسيألا فاسقني خمراً وقل لي: هي الخمر
أبدع الشاعر أبو نواس في تصوير الخمر من خلال الأبيات التالية:
ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ،
ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ.
فما العيشُ إلاّ سكرَةٍ بعد سكرةٍ،
فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ.
وما الغَبْنُ إلاّ أن تـرَانيَ صاحيـاً،
وما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتَعني السّكْرُ.
فَبُحْ باسْمِ من تهوى، ودعني من الكنى،
فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر.
ولا خيرَ في فتكٍ بدونِ مجانــة؛
ولا في مجونٍ ليس يتبعُه كفرُ.
بكلّ أخي فتكٍ كأنّ جبينَه،
هِلالٌ، وقد حَفّتْ به الأنجمُ الزُّهرُ.
و خَمّـارَةٍ نَبّهْتُها بعد هـجْعَةٍ،
وقد غـابت الجوزاءُ، وارتفعَ النّسرُ.
فقالت: من الطُّرّاق؟ قلنا: عصابة،
خفافُ الأداوَى يُبْتَغَى لهم خمرُ.
ولا بدّ أن يزنوا، فقالت: أو الفِدا
بأبْلَجَ كالدّينَارِ في طرفهِ فَتْرُ.
فقلنا لها: هاتِيهِ، ما إن لمِثْلِنا،
فديناك بالأهْـلينَ عن مثل ذا صبـرُ.
فجـاءَتْ بهِ كـالبَدْرِ ليلَةً تـمّــهِ،
تخالُ به سحراً، وليس به سحْرُ.
فقُمنـا إليه واحداً بعدَ واحِـدٍ،
فكـان بهِ من صَـومِ غُـربتنا الفِــطــرُ.
فبِتنا يرانا الله شَرَّ عِصابةٍ،
نُجَرّرُ أذْيالَ الفُسوقِ ولا فَخْرُ.
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
في هذه الأبيات يردّ الشاعر على منتقديه بشأن شرب الخمر:
دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ،
ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ.
صَفراءُ لا تَنْزلُ الأحزانُ سَاحَتها،
لَوْ مَسّها حَجَرٌ مَسّتْهُ سَرّاءُ.
مِنْ كف ذات حِرٍ في زيّ ذي ذكرٍ،
لَها مُحِبّانِ لُوطيٌّ وَزَنّاءُ.
قامَت بِإبْريقِها، والليلُ مُعْتَكِرٌ،
فَلاحَ مِنْ وَجْهِها في البَيتِ لألاءُ.
فأرْسلَتْ مِنْ فَم الإبْريق صافيَةً،
كأنَّما أخذَها بالعينِ إغفاءُ.
رقّتْ عَنِ الماء حتى ما يلائمُها،
لَطافَةً، وَجَفا عَنْ شَكلِها الماءُ.
فلَوْ مَزَجْتَ بها نُوراً لَمَازَجَها،
حتى تَوَلدَ أنْوارٌ وأَضواءُ.
دارتْ على فِتْيَةٍ دانًَ الزمانُ لهم،
فَما يُصيبُهُمُ إلاّ بِما شاؤوا.
لتِلكَ أَبْكِي، ولا أبكي لمنزلةٍ،
كانتْ تَحُلُّ بها هندٌ وأسماءُ.
حاشى لِدُرَّةَ أن تُبْنَى الخيامُ لها،
وَأنْ تَرُوحَ عَلَيْها الإبْلُ والشّاءُ.
فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفةً،
حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ.
لا تحْظُرالعفوَ إن كنتَ امرَأًَ حَرجًا،
فَإنّ حَظْرَكَهُ في الدّين إزْراءُ.
بك أستجير من الردى
في هذه الأبيات، كتب أبو نواس إلى محمد أمين يستجيره من مصائبه:
بكَ أستجيرُ من الرّدَى،
وأعوذُ من سطَوَاتِ باسِكْ.
وحـيَــاة ِ رأسِـكَ لا أعُــو،
دُ لمثلِها، وحياة ِ رَاسِكْ.
مَنْ ذا يكونُ أبا نُوَا،
سِكَ إنْ قـتـلـتَ أبـا نــواسِــكْ؟
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
كتب في الزهد قبل وفاته القصيدة الآتية:
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً،
فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ.
إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ،
فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرم!
أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرت تَضَرُّعاً،
فَإِذَا رَدَدَّتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ؟
مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا،
وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ.
لقد طال في رسم الديار بكائي
قال في وصف الخمرة واللهو:
لقد طالَ في رَسْمِ الدّيارِ بُكائي،
وقد طالَ تَردادي بها وعَنائي.
كأنّي مُريغٌ في الدّيار طَريدةً،
أرَاها أمَامي مَرّةً، وَوَرائي.
فلَمّا بَدا لي اليأسُ عَدّيْتُ ناقَتي،
عن الدّار، واستوْلى عليّ عَزائي.
إلى بيتِ حانٍ لا تهرّ كلابُهُ،
عَليّ، وَلا يُنكِرْنَ طُولَ ثَوَائي.
فإنْ تكن الصّهباءُ أوْدَتْ بتالِدي،
فلم توقِني أُكْرُومَتي وحيائي.
فما رِمتهُ حتى أتى دون ما حَوتْ،
يَمينيَ حتّى رَيْطَتي وَحِذائي.
وَكأسٍ كمِصْباحِ السّماءِ شرِبْتُها،
على قُبْلةٍ أو موْعدٍ بلِقائي.
أتتْ دونها الأيامُ، حتى كأنّها،
تَساقُطُ نُورٍ مِنْ فُتُوقِ سَمَاءِ.
ترى ضوْءها من ظاهرِ الكأسِ ساطعاً،
عليكَ، وَإنْ غَطّيْتَها بغطاءِ.
تباركَ من ساسَ الأُمورَ بعلمه،
وفضّلَ هاروناً على الخلفــاءِ.
نعيشُ بخَيرٍ ما انْطَوَيْنا على التّقَى،
وما ساسَ دنيانا أبو الأُمناءِ.
إمامٌ يخافُ اللهَ. حتّى كأنّهُ،
يُؤمّلُ رُؤْياهُ صَباحَ مَساءِ.
أشَمُّ، طُوَالُ السّاعدينِ. كأنّما،
يُنَاطُ نِجاداً سيْفِهِ بلواءِ.
ولا تأخذ عن الأعراب لهواً
أضاف الشاعر وصفاً آخر للخمر في هذه الأبيات:
دَعِ الأَطلالَ تَسفيها الجَنوبُ،
وَتُبلي عَهدَ جِدَّتِها الخُطوبُ.
وخَلّ لِراكِبِ الوَجْناءِ أرْضاً،
تَخُبُّ بها النَّجيبة والنّجيبُ.
بلادٌ نَبْتُها عُشَرٌ وطَلْحٌ،
وأكثرُ صيْدِها ضَبُعٌ وذيبُ.
و لا تأخُذْ عن الأعرابِ لهْواً،
ولا عيْشاً فعيشُهُمُ جَديبُ.
دَعِ الألبانَ يشْرَبُها رِجالٌ،
رقيقُ العيشِ بينهُم غريبُ.
إذا رابَ الْحَلِيبُ فبُلْ عليهِ،
و لا تُحرَجْ فما في ذاك حُوبُ.
فأطْيَبُ منْه صَافِيةٌ شَمُولٌ،
يطوفُ بكأسها ساقٍ أديبُ.
يسْعى بها، مثل قرنِ الشَّمس، ذو كفلٍ،
يشْفي الضَّجيعَ بذي ظَلْمِ وتَشْنيبِ.
أقامَتْ حِقْبَةً في قَعْرِ دَنٍّ،
تفورُ، وما يُحَسُّ لها لهيبُ.
كأنّ هديرَها في الدّنّ يَحْكي،
قِرَاةَ القَسّ قابلَهُ الصّليبُ.
تَمُدُّ بها إليكَ يدَا غُلامٍ،
أغَنّ، كأنّهُ رَشأٌ رَبيبُ.
غذّتهُ صنْعةُ الدّاياتِ حتّى،
زَها، فَزَهَا به دَلٌّ وطيبُ.
يَجُرُّ لكَ العِنانَ، إذا حَساها،
و يفتحُ عقد تكّته الدّبيبُ.
و إن جَمّشْتهُ خَلَبَتْكَ منهُ،
طَرَائِفُ تُسْتَخَفُّ لَها القُلوبُ.
ينوءُ برِدْفهِ، فإذا تمشّى،
تَثَنّى، في غَلائِلِهِ، قَضِيبُ.
يكادُ من الدّلالِ، إذا تَثَنّى،
عليْكَ، ومن تساقطهِ، يذوبُ.
و أحمقَ من مُغيّبةٍ تـراءى،
إذا ما اخْتانَ لَحْظَتَها مرِيبُ.
أعاذِلَتي اقْصُري عن بعْضِ لوْمي،
فراجي توبتي عندي يخيبُ.
تَعيّبون الذّنوبَ، وأيّ حُرٍّ،
مِن الفِتيانِ، ليسَ لَهُ ذنوبُ؟
فهذا العيشُ لا خِيمُ البوادي،
و هذا العيشُ لا اللبن الحليبُ.
فأيْنَ البدْوُ من إيوان كِسْرَى،
وأيْنَ منَ المَيادينِ الزُّرُوبُ؟
غرِرْتِ بتوبتي، ولججْتِ فيها،
فشُقّي اليومَ جيبَكِ لا أتوبُ.
اترك تعليقاً