قصائد شعرية تتحدث عن حب الأب وعطاءه
On 3:46 م by أحمد الزهرانيقصيدة أبي لمحمود درويش
يقول محمود درويش:
غضّ طرفي عن القمر، وانحنى يحضن التراب، وصلي.. لسماء بلا مطر، ونهاني عن السفر! أشعل البرق أودية كان فيها أبي يربي الحجارة منذ قديم.. ويزهر الأشجار، جلده يندف الندى، إذ تتورق الشجرة، فبكى الأفق أغنية:
كان أوديس فارسا..
كان في البيت أرغفة ونبيذ وأغطية وخيول وأحذية، وأبي قال مرة حين صلى على حجر: غض طرفي عن القمر، واحذر البحر.. والسفر!
يوم كان الإله يجلد عبده، قلت: يا ناس! هل نكفر؟
فروى لي أبي، وطأطأ زنده: في حوار مع العذاب، كان أيوب يشكر خالق الدود.. والسحاب، خلق الجرح لي أنالا لميت.. ولا صنم، فادح الجرح والألم، وأعني على الندم!
مرّ في الأفق كوكبنا نازلا.. وكان قميصي بين نار، وبين ريح، وعيني تفكر برسوم على التراب، وأبي قال مرة: الذي ما له وطن، ما له في الثرى ضريح، ونهاني عن السفر.
شعر سأَلوني لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟
يقول أحمد شوقي:
سألوني: لمَ لمْ أَرْثِ أبي؟ ورثاء الأب دينٌ.. أي دين!
أيها اللوم، ما أظلمكم! أين لي العقل الذي يسعد أين؟
يا أبي، ما أنت في ذا أول؟ كل نفس للمنايا فرض عينه.
هلْكْتْ قبلك ناسٌ وقرى، ونعى الناعون خير الثقلين.
غاية المرء، وإن طال المدى، آخذٌ يأخذه بالأصغر، وطبيبٌ يتولى عاجزاً، ناضحاً من طبّه خفي حنين.
إنّ للموت يدًا إن ضربتْ، أوشكتْ تصدع شمل الفرقين.
تنفذ الجوّ على عقبانه، وتلاقي الليث بين الجبلين، وتحطُّ الفرخ من أيكته، وتنال الببغا في المئتين.
أنا من مات، ومن مات أنا، ألقى الموت كلانا مرتين.
نحن كنا مهجة في بدنٍ، ثم صِرْنا مهجة في بدنَيْن، ثم عدنا مهجة في بدنٍ، ثم نُلقى جثةً في كَفَنَيْن، ثم نَحيا في عليٍ بعدنا، وبنا نُبعَثُ أولى البعثتين.
انظر الكون وقل في وصفه: قل: هما الرحمة في مَرْحَمتين.
فقدا الجنة في إيجادنا، ونعِمنا منهما في جنتين.
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا، وهما الصفحُ لنا مُسترضَيَيْن.
ليت شعري، أي حيٍ لم يدنب الذي دَانا به مبتدئين؟ ما أَبِي إلا أخٌ فارَقْتُه، وأمات الرسل إلا الوالدين.
طالما قمنا إلى مائدة، كانت الكسرة فيها كسرتين، وشربنا من إناءٍ واحدٍ، وغسلنا بعد ذا فيه اليدين، وتمشَّيْنا يدي في يدهم.
من رآنا قال عنّا: أخوين.
نظر الدهرُ إلينا نظرة، سوَّت الشرَّ فكانت نظرتين.
يا أبي والموت كأسٌ مرة، لا تذوقُ النفس منها مرتين.
كيف كانت ساعة قضيتها؟ كل شيءٍ قبلها أو بعدُ هَيّن؟
أشرِبْتَ الموت فيها جرعة، أم شربتَ الموتَ فيها جُرعتين؟
لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أو بكاء، جمدت منّي ومنكَ اليوم عين.
أنت قد علمتني ترك الأسى، كل زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن.
ليت شعري: هل لنا أن نتلقى مرة، أم ذا افتراقُ المَلَوَين؟
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى، أنلقى حفرةً أم حُفْرتين؟
قصيدة أبي لإيليا أبو ماضي
يقول إيليا أبو ماضي:
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني، وذا بعضها الثاني يفيض به جفني.
أبي! خانني فيك الرّدى فتقوضت مقاصير أحلامي كبيت من التين، وكانت رياضي حاليات ضاحكةً، فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني.
وكانت دناني بالسرور مليئة، فطاحت يد عمياء بالخمر والدنف، ليس سوى طعم المنيّة في فمي، وليس سوى صوت النوادب في أذني.
ولا حسن في ناظري وقلّما فتحتهما من قبل إلا على حسن، وما صور الأشياء، بعدك غيرها.
ولكنما قد شوّهتها يد الحزن، على منكي تبر الضحى وعقيقه، وقلبي في نار، وعيناي في دجن.
أبحث الأسى دمعي وأنهيته دمعي.
كنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن، فمستنكر كيف استحالت بشاشتي، مستنكر في عاصف رعشة الغصن.
قصيدة أبي لنزار قباني
يقول نزار قباني:
أمات أبوك؟ ضلالٌ! أنا لا يموت أبي، ففي البيت منهروائح ربٍ.. وذكرى نبيه.
إنه ركنه.. تلك أشياؤه، تفترق عن ألف غصنٍ صبي، جريدته. تبغه. متكاه، كأن أبي – بعد – لم يذهب.
وصحن الرماد.. وفنجانه على حاله.. لم يشرب منذ زمن.
نظارتاه.. أيسلو الزجاج عيوناً أشف من المغرب؟
بقاياه في الحجرات الفساتيح، بقايا النور على الملعب.
أجول الزوايا عليه، فحيث أمر.. أمر على معشبه.
أشد يديه.. أميل عليه، أصلي على صدره المتعب.
أبي.. لم يزل بيننا، والحديث حديث الكؤوس على المشرب.
يسامرنا.. فالدوالي الحبلى توالد من ثغره الطيب.
أبي خبراً كان من جنةٍ، ومعنى من الأرحب الأرحب، وعين أبي.. ملجأٌ للنجوم.
فهل يذكر الشرق عيني أبي؟ بذاكرة الصيف من والدي، كرومٌ، وذاكرة الكوكب.
أبي يا أبي .. إن تاريخ طيبٍ، وراءك يمشي، فلا تعتبع، على اسمك نمضي، فمن طيبٍ شهي المجاني، إلى أطيب.
حملتك في صحو عيني، حتى هيأ للناس أني أبي.
أشيلك حتى بنبرة صوت، فكيف ذهبت.. ولا زلت بي؟
إذاً فلة الدار أعطت لديننا، في البيت ألف فمٍ مذهب، فتحنا لتموز أبوابنا، في الصيف لا بد يأتي أبي.
اترك تعليقاً