نظرية ابن جني حول نشأة اللغة
On 6:39 م by جاسم البلوشيأصل اللغة ونشأتها وفقًا لابن جني
تنقسم آراء علماء اللغة العربية حول نشأة اللغة وأصلها إلى فئتين: الفئة الأولى تؤكد على أن اللغة توقيفية من الله، أي أنها وحي وإلهام، مستشهدة بقوله تعالى: “وعلمَ آدمَ الأسماءَ كُلَّها”. بينما تشير الفئة الثانية إلى أن ظهور اللغة جاء نتيجة للتواضع والاصطلاح. ومن ضمن هؤلاء العلماء، ابن جني، الذي فسر الآية الكريمة “وعلم آدم الأسماء” بأن الله سبحانه وتعالى منح آدم القدرة على وضع أسماء للأشياء.
وهذا يعني أن الإنسان مُنحت له الاستعدادات الفطرية والقدرات الذهنية التي تمكّنه من تسمية الأشياء الجديدة. وقد أشار ابن جني إلى ذلك في قوله: “ومن ذلك بأن يجتمع حكيمان أو أكثر فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء، فيبتكرون لها أسماء وألفاظ تميز كل واحدة عن غيرها، ليكون بذلك معرفة تُغني عن إحضار الشيء إلى العين”، مما يجعل هذا الأمر أسهل وأقرب من عملية جلب الشيء بنفسه.
كما استخدم ابن جني الآية الكريمة لتوضيح أهمية العلم بالأسماء، مشيرًا إلى أن الله علم آدم الأسماء التي تتناسب مع كل زمان ومكان، مما يتيح للغة القدرة على التكيف وفق الحاجة والغرض. ويطرح تساؤلاً حول عدم تعليم الله آدم الأفعال والحروف، ويرد ابن جني على هذا التساؤل في فصل بعنوان “إمساس الألفاظ أشباه المعاني” موضحًا أن الإنسان منذ ظهوره التقليدي كان يحاكي أصوات الأشياء والحيوانات لتدل أصواتها على مصادرها، ومع تطور القدرات الممنوحة له، تمكن من إنتاج أصوات مركبة مكونة من مقاطع، مما أنتج لغة أولية ذات مفردات محدودة ومتنوعة، لكنها تطورت بمرور الوقت نتيجة للحياة الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين.
تعريف اللغة وفقًا لابن جني
يقول أبو الفتح في كتابه “الخصائص” في تحليل اللغة: “أما حدها فهي أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم”. يمكن تقسيم هذا التعريف إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول، اللغة منظومة صوتية؛ الجزء الثاني، تُستخدم للتعبير والتواصل؛ الجزء الثالث، تعبر عن الأغراض والحاجات. وعند تحليل هذه الأجزاء، نجد أن التعريف يتضمن عناصر رئيسية يجب توضيحها.
الطبيعة الصوتية للرموز اللغوية
يوضح ابن جني في الجزء الأول الطبيعة الصوتية للرموز اللغوية، مشيرًا إلى أن الوظيفة الاجتماعية للغة تتمثل في التعبير ونقل الأفكار ضمن البيئة اللغوية الخاصة بكل مجتمع. ويخصص ابن جني اللغة للأصوات فقط، دون الكتابة، مما يدل على أن علماء اللغة العربية قد درسوا اللغة من منظور صوتي بحت، وليس ككتابة كما يفعل علماء فقه اللغة.
وظيفة اللغة
أما الجزء الثاني من تعريف ابن جني فيتناول وظيفة اللغة، حيث يقول: “يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم”، ما يشير إلى الوظيفة التعبيرية للغة. ينبغي الإشارة هنا إلى أن الوظيفة التعبيرية تشمل التوصيل والتعبير، حيث أن التوصيل يشمل مفهوم التواصل بين الأفراد، بينما التعبير يمكن أن يحدث دون الحاجة لتفاعل بين المتحدث والمستمع.
اللغة أصوات
في الجزء الثالث، يقول ابن جني إن اللغة هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، ويستخدم كلمة “قوم” بدلاً من “إنسان”، ما يعكس أن القوم هم مجتمع متكامل يعيش في بيئة واحدة ويستخدم نظام صوتي مشترك للتعبير عن حاجاتهم. وهذا يدل على إدراكهم للقوانين التي تحكم اللغة، وتعاملهم معها باعتبارها ظاهرة اجتماعية تتميز بالوحدة النابعة من الأيديولوجيات المستخدمة عند التواصل.
رأي ابن جني في متعلم اللغة
يقول ابن جني في كتابه “الخصائص”: “وأعلم أن العرب تختلف أحوالها في تلقي الواحد من اللغة غيره، فمنهم من يخف ويسرع قبول ما يسمعه، ومنهم من يتمسك بلغته، ومنهم إذا تكرر عليه لغة غيره لصقت به.” وهذا يفيد بأن المتعلم للغة ينقسم إلى ثلاثة أصناف: الأول، من يقبل اللغة بسهولة ويكتسبها؛ الثاني، من يفضل التمسك بلغته الأصلية؛ والثالث، من يتفاعل مع الآخرين بلغة غير لغته ويقبلها نتيجة لتحقيقه تكرارها.
اترك تعليقاً