أشعار فاروق جويدة التي تعبر عن الحزن والمشاعر العميقة
On 9:36 م by نور الفارسقصيدة وكلانا في الصمت حزين
يقول فاروق جويدة:
لن أستطيع تحمل صمتك بعد اليوم، ولا صمتي أيضًا. لقد ضاع عمري من أجلك، وأنا أتأمل فيك، أستمع إليك، وأنت لا تنطق. أطلالي تصرخ بين يديك. حرك شفتيك، أنطق كي أستطيع النطق، أصرخ كي أستطيع الصراخ. لسانى مازال مصلوبًا بين الكلمات. عارٌ أن تعيش مسجونًا فوق الطرقات، وعيب أن تبقى تمثالًا وصخورًا تحكي ما مضى. عبدوك زمانًا واتحدت فيك الصلوات، وغدوت مزارًا للعالم. خبرني ماذا قد يحكي صمت الأموات، ماذا في رأسك؟ خبرني… أزمانٌ عبرت، وملوكٌ سجدت، وعروشٌ سقطت، وأنا مسجون في صمتك. أطلال العمر على وجهين، نفس الأطلال على وجهك. في هذه الدنيا موتى أو أحياء، لكنك شيء أجهله. لا حي أنت، ولا ميت. وكلا منا في الصمت سواء. أعلنت عصيانك، لم أعرف لغة العصيان، فأنا إنسان تهزمني قسوة الإنسان. لا أراك إلا حاضرًا وماضيًا، أتعلق بك الكفر مع الإيمان. أهرب فأراك على وجهي، وأراك القيد يمزقني، وأراك القاضي والسجان. أنطق كي أستطيع النطق. هل صحيح أنك في يومٍ ما طفت الآفاق، وأخذت تدور في العالم، وأخذت تتعمق في الأعماق تبحث عن سر الأرض، وسر الخلق، وسر الحب، وسر الدمعة والأشواق؟ وعرفت السر ولم تنطق. ماذا في قلبك؟ خبرني، ماذا أخفيت؟ هل كنت ملكًا وطغيت، أم كنت تقيًا وعصيت؟ ظلموك جهارًا، صلبوك لتبقى تذكارًا. قل لي من أنت؟ دعني أدخل في رأسك، وويلي من صمتي، من صمتك. سأحطم رأسك كي تنطق، سأجتاح صمتك كي أنطق. أحجارك صوتٌ يتوارى، يتساقط مني في الأعماق، والدمعة في قلبي نارٌ تشتعل حريقًا في الأحداق. رجل البوليس يقيدني، والناس تصيح: هذا المجنون. لم أنطق بشيءٍ على الإطلاق، ماذا سأقول؟ ماذا سأقول؟
قصيدة ونشقى بالأمل
يقول فاروق جويدة:
ويحملني الحنين إليك كطفلٍ، وقد سلب الزمان مني الصبر، وألقى فوق صدرك أمانٍ، وقد شقي الفؤاد مع التمني. غرست الدرب أزهارًا بعمري، فخيبت السنون اليوم ظني، وأسلمت الزمان زمام أمري، وعشت العمر أشتكي. وكان العمر في عينيك أمانًا، وضاع العمر يوم رحلت عني.
قصيدة عندما يرحل الرفاق
يقول فاروق جويدة:
تاهت خطواتي عن الطريق، لا ضوء فيه، ولا حياة، ولا رفيق. والبيت.. أين البيت؟ قد صار كالأمل الغريق، وعواصف الأيام تقتلع الجوانح بالأسى الدامي العميق. وتلعثمت شفتاي، قلت لعلني أخطأت في الليل الطريق. وسمعت صوت الليل يسري في شجن: قدماك خاصمتا الطريق. رحل الرفاق، أيا صديقي من زمن. يا ليل، يا من قد جمعت على جفونك شملنا، يا من نثرت رياض دفئك حولنا، وحملت أنسام الربيع رقيقة سكرى لترقص بيننا. أترى تذكر من أنا؟ أنا صاحب البيت القديم. يومًا تركت لديك حبًا عاش مفتونًا بالمنى. وسمعت صوت الليل يسري في شجن: رحل الرفاق، أيا صديقي من زمن. دخلت بيتي والسنين تشدني، وروائح الماضي القديم تضميني. البيت يعرف خطواتي. في مدخل البيت الحزين، رأيت كل حكايتي، الأرض تبتلع الزهور، وأزهار النوار في تابوتها. أطلال عطر، أو قشور فوق القاعدة، كانت الحشرات تجري أو تدور، والهمس يسري بينها. جمع التراب رفاقه حولي، وحدق في غرور: أترى جئت لكي تحطم بيتنا؟ وسألته في دهشة: أترى تعرف من أنا؟ أنا صاحب البيت القديم. نهض التراب، وقال في غضب: شيء عجيب ما أرى، ماذا تريد؟ كل الذي في البيت يعرف أنني أصبحت صاحبه الجديد، وعلى جدار الصمت نامت صورتي، تاهت ملامحها مع الأيام مثل حكايتي، ودموعها تنساب كالماضي وتروي قصتي. بجوار مقعدنا رأيت جريدة، فيها مواعيد السفر، ومتى تعود الطائرة، وشريط أغنية لعل رنينها ظل يسرع ثم يسرع خلف ذكرى حائرة. فتوقفت نبضاتها، وسمعتها: (أيها الساهر اغفو، تذكر العهد، وتصحو، وإذا ما التأم جرح، جد بالتذكار، جرح. فتعلّم كيف تنسَى وتعلم كيف تمحو) وعلى سريري ماتت الأحلام وانتهت المنى. يا حجرتي، يا صورتي، يا كل ما أحببت من هذا الوجود. يا وردتي، يا أعذب الألحان في دنيا الورود. أنا صاحب البيت القديم! لا شيء ينطق في السكون، لا شيء يعرف من أكون! وسُمعت صوتًا يقتل الصمت الرهيب: أنت الذي ترك الزهور تموت من الصقيع، كل الذي في البيت عاش وظل يحلم بالربيع، كل الذي في البيت مات، كل الذي في البيت مات. ومضيت نحو الصوت تنهرني الخطى، فوجدته قلمي، ينام على كتاب، ودماؤه الحائرة تئن على التراب. ومضى يحدثني بحزن واكتئاب: لم يا صديقي قد هجرتنا؟ وتركت الحب الصغير ليموت حزنًا بيننا. في كل يوم، كان يسأل: أين أمي؟ أين ذهب أبي؟ تراني من أنا؟! ما زلت أذكر، يا رفيقي، ساعة الأمس الحزين. أنا لا أصدق أن قلبك جرب الأشواق أو ذاق الحنين، ما كنت أعتقد أن مثلك قد يخون، أو أن طيف الحب في دنياك يومًا قد يهون. أمسكت بالقلم الذي يبكي أمامي في جنون: هيا إلي، فربما نجد الطريق، هيا إلي فربما نجد الرفيق. ماذا أقول؟ تاهت خطواتي عن الطريق!
قصيدة كذبت أحزاني
يقول فاروق جويدة:
أحزاني تكذب، يا قلبي. ما عدت أصدق أحزاني. قالت: ستسير وتتركني، وأعود لشعري عصفورًا، بالحب يسافر وجداني. والدمع الحائر يتركني، والزمن الظالم ينساني. والحب يعود يظلني، يرعى الأحلام ويرعاني. لكن الحزن يطاردني، غيرت كثيرًا عنواني. وبطاقة أسفاري شاخت، مزقها ليل الحرمان. يعرفني حزني، يعرفني، ما أثقل حزن الإنسان. ما أقسى أن يولد أمل، ويموت بيأس الأحزان. ما أصعب أن نرضع حلمًا يومًا من ثدي البركان. فالنار تطارد أحلامي، من يخنق صوت النيران؟ من يأخذ من حزني عهدًا، أن يترك يومًا شطآني؟ أحزاني تكذب، يا قلبي. ما عدت أصدق أحزاني، فوجد لديها عنواني.
قصيدة عندما تفرقنا الأيام
ورحلت عنك بلا وداع، وطويت بين ضباب أيامي حكايات قديمة. أنشودة ذابت مع الأيام، أو شكوى عقيمة. وتركت أيام الضياع، وكانت تمزقني فلا أجد الصديق. وحدي هناك يشدني الجرح العميق. أواه يا قلبي، أضعت العمر محترق الجراح، وأخذت تحلم كل يوم بالصباح. وتركت أيامي تضيع مع الرياض. يومًا إلى الأحزان تأخذنا، وآخر للجراح.
- * *
ورحلت عنك بلا وداع. كم كنت أحلم، يا رفيقي، بالمساء. كم كنت أنسج قصة العشاق ترنو للقاء، أو همسة تنساب في الأعماق تسري كالضياء، أو رعشة الأيدي تعانقها الحنايا في السماء. أو موعدًا أنسى به أحزاني، أو بسمة تهتز في وجداني، أو دمعة عند الوداع ألومها، فغدًا يكون لنا اللقاء الثاني.
- * *
ورأيت حبك في فؤادي يختنق، هوى كما تهوى النجوم ويحترق. ورأيت أحلامي مع الشكوى تضيع، وشباب أيامي يذوب مع الصقيع. ولقد قضيت العمر أنتظر الربيع.
- * *
ورحلت عنك بلا وداع، ونسيت أحلامًا تلاشت كالشعاع. حب قديم تاه منا في الضباب، أمل توارى في الليالي، أو تبعثر في التراب. عمر تبدد في العذاب، حتى الشباب قد ضاع منا، وانتهى عهد الشباب. أترى يفيد هنا العتاب؟ أبدًا، ودعك من العتاب.
- * *
الآن أرحل عنك بالأمل الجريح، قد أستريح من الأسى، قد أستريح. كم عشت أحلم يا رفيقي بالضياء، ورأيت أحلامي تلاشت في الفضاء. فقتلت هذا الحب في أعماقي، ونسيت بعدك لوعة الأشواق، وغدوت أيامًا تفوح بسحرها لتصير شعرًا في رؤى العشاق!
اترك تعليقاً