الشاعر أبو نواس: رمز الشعر العربي في وصف الخمر
On 3:25 م by سلمى المهندسأبو نواس
يُعد أبو نواس أحد أبرز الشعراء العباسيين، وُلِد لأم فارسية وعُرف بميله إلى اللهو والمجون، بالإضافة إلى حبه للخمر والخمّارات. يتميز شعره بتناول العديد من جوانب حياته وأفكاره ومعتقداته، على الرغم من أن بعض المؤرخين ذكروا أنه تاب قبل وفاته.
المولد والنشأة
الحسن بن هانئ الحكمي، المعروف بأبي نواس، وُلِد عام 763 ميلادياً في الأهواز، والتي تقع في منطقة خوزستان. عاش في البصرة، وكان والده من جنود مروان بن محمد الأموي. بعد أن فقد والده، انتقل إلى العراق إثر زوال حكم مروان، واستقر في قرية بالأهواز حيث وُلد. وكان جده مولى الجراح بن عبد الله الحكمي، الذي كان أميراً على خراسان، لذا نُسِب إليه.
توفي والد أبو نواس حين كان في السادسة من عمره، فأرسلته والدته للعمل كعطّار. ولكن بدلاً من ذلك، كان يمضي وقته في حضور مجالس العلم والشعر. وتولى العطّار نفسه تربيته ورعايته، حيث شجعه على الذهاب إلى الكتاب لحفظ القرآن وتعلّم الشعر. التقى بعد ذلك بالشاعر والبة بن الحبّاب، حيث سافرا معاً إلى الكوفة، وبدأ والبة في تعليمه فنون الشعر. كانت رحلتهما تشمل المشاركة في المجالس الأدبية والعلمية، التي كانت تعج بالشعر والنقد الأدبي.
حياته الأدبية
بعد اكتسابه المهارات في الكوفة، انتقل أبو نواس إلى البصرة حيث التقى بخلف الأحمر، الذي طلب منه حفظ مجموعة كبيرة من القصائد، ثم نسيانها لحفظ ما هو جديد. وطوال تلك الفترة، أصبح قادراً على نظم الشعر. ثم ارتحل إلى بغداد حيث اتصل بالخليفة هارون الرشيد ومدحه، مركزاً على المعاني الدينية ووصف إنجازاته. انتقل بعدها بمدحه إلى البرامكة، مما أغضب هارون الرشيد، فأضطر أبو نواس للهروب إلى مصر حيث مدح واليها الخصيب بن عبد الحميد العجمي.
عاد أبو نواس إلى بغداد بعد وفاة هارون الرشيد، حيث تولى الأمين الخلافة، وهو صديق قديم له. فور عودته، مدحه ولكن بعض خصوم الأمين حاولوا استغلال تلك العلاقة لتنقيص من سمعة الأمين، مما أدي إلى حبس أبو نواس لفترة. وعلى الرغم من محاولات وزير الأمين للإفراج عنه، لم يتحرر إلا بعد معاناة طويلة. ومع وفاة الأمين، أظهر أبو نواس عاطفة قوية تجاهه من خلال قصائد الرثاء.
توبته وموته
عرف أبو نواس بحياته الغارقة في اللهو والمجون، وهو ما تجلى في شعره الذي استحوذت عليه وصفات الخمر. كان له قصة غرامية مع جارية تدعى “جنان”، وقد نظم العديد من القصائد في حبها. ولكن العديد من المؤرخين يؤكدون أنه تاب في آخر سنوات حياته، مما يمكن أن يُلاحظ في شعره، خصوصاً في القصيدة التي وجدت أسفل مخدته عند وفاته:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظـمُ
إن كان لا يدعوك إلا محسـن
فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
أدعوك رب كما أمرتَ تضرّعاً
فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحـم
ما لي إليك وسيلة إلا الـرّجـا
وجميل عفوك ثمّ أني مُسـلـم.
أما عن وفاته، فهناك آراء متباينة؛ إذ زعم البعض أنه توفي في السجن، بينما أكد آخرون أنه توفي في بيت إسماعيل بن نوبخت الذي أفرز له السم للتخلص من لسانه الطليق.
أسلوبه الشعري
تناول أبو نواس في شعره معظم الأغراض الشعرية، مثل المديح والهجاء والرثاء والعتاب والغزل، ولكن تميّز بشكل خاص بوصفه للخمر مما جعله يُعرف بشاعر الخمر. يتسم شعره بسهولة الألفاظ، ونعومة العبارات، وسلاسة المعاني، بعيداً عن التعقيدات والحشو. كما أضاف صوراً وكلمات جديدة إلى الشعر العربي، خاصة فيما يتعلق بتصوير الخمر، وهو ما يظهر جلياً من خلال خروجه على تقاليد القصيدة العربية، ورفضه للتكلّف في الوصف.
ديوانه والمختارات الشعرية
لم يقم أبو نواس بتأليف ديوانه الخاص، بل جمعه العديد من المؤرخين وقاموا بترتيبه وفهرسته، مثل الصولي الذي نظمه في عشرة فصول، والأصفهاني، بينما قام المهملم بن يموت بن مزرد بتنقيح وترتيب شعره في كتاب يحمل عنوان “سرقات أبي نواس”.
من أبرز قصائد أبو نواس، نجد:
قصيدة دع عنك لومي
دَعْ عَنْكَ لَوْمِي فَإنَّ اللُّوْمَ إغْرَاءُ
ودَاوِني بالَّتي كانَتْ هِيَ الدَّاءُ
صَفْرَاءُ لا تَنْزِلُ الأحزانُ سَاحَتها
لو مَسّها حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ
مِنْ كَفٍ ذات حِرٍّ في زِيَّ ذي ذَكَرٍ
لَها مُحِبَّان لُوطِيٌّ وزَنَاءُ
قامَت بإبْريقِها، والليلُ مُعْتَكِرٌ
فَلاحَ مِنْ وَجهِها في البيتِ لألاءُ
فأرسَلَت مِنْ فَم الإبِريق صافيَةً
كَأنما أَخَذَها بالعَيْنِ إغْفاءُ
رقَّتْ عَنِ الماء حتّى ما يُلائِمُها
لطافةً، وَجَفا عَنْ شَكلِها الماءُ
فَلَو مَزَجْتَ بها نُورًا لَمَا زَجْهَا
حتّى تَوَلَّدَ أنوارٌ وأضواءُ
دَارَتْ على فِتيَةٍ دانَ الزَمانُ لهمْ
فما يُصيبُهُم إِلّا بما شاؤوا
لَتِكَ أبكي، ولا أبكي لمَنزِلَةٍ
كانَتْ تَحُلُّ بها هِنْدٌ وأسماءُ
حاشا لدُرَّةٍ أن تُبنى الخيامُ لها
وأنْ تَرُوحَ عَلَيْها الإبِلُ والشّاءُ
فَقُلْ لِمَنْ يدَّعِي في العِلْم فِلَسْفَةً
حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عَنك أشياءُ
لا تَحْظَرْ العَفْوَ إِن كُنتَ امْرَءَ حَرجًا
فَإنَّ حَظْرهُ في الدين إزراَءُ.
قصيدة أثني على الخمر بآلائها
أَثْني على الخَمْرِ بآلائِها
وسَمِّيها أَحْسنَ أَسمائِها
لا تَجْعَلِ الماءَ لها قاهِراً
ولا تُسَلِّطْها على مائها
كَرْخِيَّةٌ، قَد عُتِّقَتْ حِقْبَةً
حَتّى مضَى أَكْثَرُ أجزائِها
فَلَمْ يَكُدْ يُدْرِكُ خَمّارُها
مِنْها سِوَى آخِر حَوْبائِها
دَارَتْ، فَأَحْيَتْ، غَيْرَ مَذْمُومَةٍ
نُفُوسَ حَسْراها وأنْضائها
والخَمْرُ قد يَشْرَبُها مَعْشَرٌ
لَيْسُوا، إذا عُدّوا، بِأكَفائِها.
قصيدة يا ربّ مجلس فتيان سموت له
يا رَبَّ مَجْلِسِ فِتيَانٍ سَمَوْتُ له
وَاللّيلُ مُحتَبِسٌ في ثَوْبِ ظَلْماء
لِشُرْبِ صافيَةٍ من صَدْرِ خابيَةٍ
تَغْشى عيونَ نَداماها بِلَآءَ
كأنَّ مَنْظَرَها، والماءُ يقرَعُها
ديباجُ غانيَةٍ، أَو رَقْمُ وَشَّاءِ
تَسْتَنَّ مِن مَرَحٍ، في كُفَّ مُصْطَبِحٍ
مِن خمر عانةَ، أَو مِن خمر سُوراءِ
كأنَّ قَرْقَرَةَ الإبريق بَيْنَهُمُ
رَجْعُ المَزَامير، أَو تَرْجيعُ فَأَفاءِ
حَتّى إِذا دَرَجَتْ في القَوْم، وانْتَشَرَتْ
هَمَّتْ عُيُونُهُم مِنها بإغفاتٍ
سألتُ تاجرَها: كَمْ ذَا لِعَاصِرها؟
فقال: قَصَّرَ عَنْ هَذَا إِحصائي
أُنْبِئْتُ أنّ أَبَا جَدِّي تَخَيَّرَها
مِن ذُخر آدَمَ، أَو مِنْ ذُخر حوّاءِ
ما زالَ يَمْطُلُ مَن يَنتابُ حانَتَها
حَتّى أَتَتْني وَكانَتْ ذُخر مَوتائي
ونَحْنُ بَيْنَ بَسَاتِينِ، فَتَنْفَحُنا
رِيحَ البَنْفَسَج، لا نَشْرَ الخُزامَى
يَسْعَى بها خَنِثٌ، في خُلْقِهِ دَمَثٌ
يَسْتَأثِرُ العَينَ في مُسْتَدْرَج الرَّائِى
مُقَرَّطٌ، وَافرُ الأَرْداف، ذُو غُنُجٍ
كَأنَّ في راحَتَيْه وَسْمَ حِنَاءِ
قَ قد كَسَّرَ الشَّعَرَ وقَوّاتٍ، وَنَضَّدَهُ
فوقَ الجَبِين وردّ الصَّدغَ بالفَاء
عَيْناهُ تَقْسِمُ داءً في مجاهرها
وَرُبَّمَا نَفَعَتْ مِن صَوْلَةِ الدَّاء
إنِّي لأشْرَبُ مِن عَيْنَيْهِ صَافِيَةً
صِرْفًا، وَأشْرَبُ أُخْرَى مَعَ نَدامَائِي
وَلائِمٍ لَامَني جَهْلًا، فَقُلْتُ لَهُ:
إِنِّي وَعَيشي مُشْغُوفٌ بمَوْلَايَ.
اترك تعليقاً